الوحدة المطلقة المبراة عن كلّ لاحق ؛ وقد أشار إلى ذلك سيدنا أمير المؤمنين ـ عليهالسلام ـ في بعض خطبه بقوله : « وكمال الاخلاص نفي الصفات عنه » ؛ فليس للواجب ـ سبحانه ـ في نفس الأمر صفة ثبوتية ولا سلبية. وجميع ما يوصف به ـ سبحانه ـ من الصفات إنّما هو اعتبارات محضة يحدثها عقولنا عند مقايسة ذاته ـ سبحانه ـ إلى غيرها.
والباعث في هذا الوصف ـ كما وردت به الكتب الالهية والسنن النبوية ـ أمران :
أحدهما : ليعمّ التوحيد والتنزيه كلّ طبقة من الناس ؛
والثاني : انّه لمّا كان دأب العقلاء أن يصفوا خالقهم ـ سبحانه ـ بما هو أشرف طرفي النقيض ـ لما تقرّر في عقولهم من أعظميته ومناسبة أشرف الطرفين للأعظمية ـ كان وصف الله ـ تعالى ـ به من الصفات الحقيقية والاضافية والسلبية كلّها كذلك من غير أن تكون تلك الصفات ثابتة له ـ تعالى ـ في الواقع. وربما احتجّوا على ذلك بما روي عن الامام الهمام محمّد بن عليّ الباقر ـ عليه وعلى آبائه السلام ـ : « هل يسمّى عالما وقادرا إلاّ لأنّه وهب العلم للعلماء والقدرة للقادرين؟! ؛ وكلّما ميزتموه بأوهامكم في ادقّ معانيه مخلوق مصنوع مثلكم مردود إليكم ، والباري ـ تعالى ـ واهب الحياة ومقدّر الموت. ولعلّ النمل الصغار يتوهّم انّ لله ـ تعالى ـ زبانيتين فانّهما كمالها ويتصوّر انّ عدمهما نقصان لمن لا يكونان له » ؛ هكذا حال الفضلاء فيما يصفون الله ـ تعالى ـ به / ١٩٢ MA / فيما احسب وإلى الله المفزع.
أقول : لمّا كان حاصل هذا المذهب على الظاهر انّه ليس للواجب ـ سبحانه ـ شيء من الصفات في الواقع ونفس الأمر ، لذا لم نجعلها معدودا من المذاهب المعروفة لتصحيح عينية الصفات ؛ لأنّ العينية فرع اثبات الصفة وعلى هذا المذهب لا يثبت صفة بوجه ، فهو يوجب التعطيل في حقّه ـ سبحانه ـ. وقد أتى ببطلانه شرائع الأنبياء وصرّح بفساده أساطين الحكماء. كيف ولو جوّز العقل أن ينفى عنه العلم والقدرة والحياة وغير ذلك من الصفات الكمالية لوجب عزل العقل في باب معرفة الله ـ تعالى ـ رأسا! ، فلا يمكن أن يثبت له البساطة ، أو يقال انّه محض الوجود ، أو ليس بجاهل ، أو ليس بمركّب ، أو يجب ان يكون على أعلى طرفي النقيض ، أو واجب الوجود ، أو موجد للكلّ