أو غير ذلك ؛ بل ليس له أن يدرك افتراقه عن الممكن وتميّزه عنه ، فان ذلك فرع التفاوت في الصفة. ولا ريب في أنّ ذلك مخالف للقواعد العقلية ومناف لما اعطته الشرائع النبوية. ومن وصفه ـ سبحانه ـ بالصفات الكمالية الكثيرة وكونها مجرّد اعتبار يحدثها العقول من غير ثبوتها له ـ تعالى ـ في الواقع لا ينفى التعطيل عنه ـ سبحانه ـ في الواقع. والمراد من نفي الصفات في قول امير المؤمنين ـ عليهالسلام ـ : « كمال الإخلاص نفي الصفات عنه » (١) : هو نفي الصفات الزائدة عنه ، أو نفي صفات المخلوقين ـ كما صرّح به عليهالسلام في آخر الخطبة ـ ؛ أو نفي الصفات بالنظر إلى الموحّد العارف لا بالنظر إلى الواقع بمعنى انّ كمال اخلاص العقول البشرية أن يعتبر ذاته ـ سبحانه ـ فقط من غير ملاحظة شيء آخر ؛ وهذا إنّما يتصوّر لها عند غرقها في أنوار كبرياء الله ونقص كلّ ما عداه عنه وتنزيهه عن كلّ لاحق له وطرحه عن درجه الاعتبار وان كان ثابتا في الواقع ونفس الأمر ، وهو التوحيد المحقّق والاخلاص المطلق المسمّى في عرف المجرّدين بـ « مقام التجلية والنقص والتفريق ».
وأمّا الكلام المنقول عن الامام أبي جعفر الباقر ـ عليهالسلام ـ ، فيمكن ان يكون المراد منه : انّ اطلاق العالم والقادر عليه ـ تعالى ـ ليس كاطلاقهما على واحد منّا ، فانّ اطلاقهما على واحد منّا إنّما يكون باعتبار قيام مبدأ اشتقاقهما ـ أعني : العلم والقدرة ـ به ، واطلاقهما عليه ـ تعالى ـ ليس بذلك الاعتبار لامتناع قيام الشيء به ـ تعالى ـ. وانّما اطلقوا لفظ العالم عليه من حيث وجدوا انّه ـ تعالى ـ هو الّذي وهب العلم للعلماء وافاضه عليهم ، والمفيد لغيره كمالا لا يمكن أن يكون عاريا عنه ، فحكمنا عليه ـ تعالى ـ / ١٩٤ DB / بأنّه عالم لأجل ذلك. وعدم كون الشيء عاريا عن الكمال لا يوجب ان يكون بقيام الكمال به ، بل يمكن أن يكون لكونه عين ذاته ؛ وفي الواجب ـ تعالى ـ إنّما هو كذلك. وهكذا الحال في سائر صفاته الكمالية. قال بعض المشاهير بعد نقل الحديث المذكور : « هذا كلام حقّ دافع لقول من قال بزيادة الصفات الحقيقية على الذات ومؤيّد لقول من قال : صفاته الحقيقية عين ذاته ، لأنّه نفى كون صفاته مثل صفاتنا الزائدة ، بل
__________________
(١) راجع : نهج البلاغة ، الخطبة الأولى ص ٣٩.