ليس له ـ تعالى ـ إلاّ كونه منشئا وواهبا لهذه الصفات فلا صفة حقيقية قائمة به ، وإنّما هو الذات البحت المنشأ والواهب لهذه الصفات ، وهذا هو المراد من العينية.
وقيل : معنى الحديث انّه لا يفهموا ان الله ـ تعالى ـ موصوف بما وصفتموه ـ من العلم والقدرة والحياة وغير ذلك ـ بالمعانى الّتي فهمتموها من تلك الصفات ، لأنّ كلّما ميزتموه بأوهامكم في أدقّ معانيه مخلوق ـ أي : حادث ممكن ـ مصنوع مثلكم ـ أي : في الامكان والحدوث والاحتياج إلى المادّة ـ مردود إليكم (١) ـ أي : بالحقيقة انتم مرجع هذا المميز ـ ؛ فلا ينبغي الاعتقاد بأنّه ـ تعالى ـ موصوف بمثل هذه الأشياء بهذه المعانى الّتي ميزتموها ، بل حالكم في هذا كحال النمل الصغار. فالعقلاء لمّا وجدوا انّ الله ـ تعالى ـ واهب العلم والقدرة وقصدوا بوصف خالقهم ما هو الأشرف عندهم وصفوه بهذه الصفات الّتي كانت أشرف عندهم من الطرف المقابل ، إلاّ أنّ في نفس الامر لا يوصف ـ تعالى ـ بهذه الأشياء ، بل له الطرف الأشرف من جميع الامور وإن لم يفهم انّه بأيّ نحو وما هذا الطرف الأشرف. وعلى هذا يكون الثابت له من الصفات ما هو الأشرف وعلى النحو الّذي هو الأشرف في الواقع ونفس الامر ، لا على النحو الّذي نفهمه ونتصوّره أشرف.
وغير خفي بأنّ هذا القائل إن كان مراده انّ معنى الحديث انّ الواجب كون الواجب ـ تعالى ـ على ما هو الأشرف في الواقع ونفس الأمر من الصفات وكيفية اتصافه بها وعدمها له أصلا وانّا لا نعلم ما هو الأشرف في الواقع مطلقا ؛
ففيه : انّه إذا لم يكن لنا سبيل إلى / ١٩٢ MB / تعقّل ما هو الأشرف في الواقع مطلقا وكان للواجب ـ تعالى ـ الطرف الأشرف في الواقع دون غيره لم يكن لنا القطع إلى اثبات شيء من الصفات له وعدم اثباته له وإلى اثبات نحو اتصافه ـ تعالى ـ بها ، فيلزم التعطيل المنفي بالعقل والنقل من الحديث المذكور ، مع أنّ هذا القائل صرّح بأنّ مضمون الحديث بالحقيقة نفي هذه الصفات ومؤيّد القول بالعينية. على انّه يلزم حينئذ عدم جواز حكمنا بوجوب اتصافه ـ سبحانه ـ بالطرف الأشرف في الواقع ـ لجواز كون
__________________
(١) راجع : بحار الأنوار ، ج ٦٩ ص ٢٩٣.