السابقة الّتي بينّا فسادها. على انّه أورد على قوله : « انّ الامور المدركة لذاتها لا يجوز أن تكون مقارنة للمادة بالحلول فيها حتّى يصدق كون وجودها لغيرها ؛ وأمّا اذا كان شيء مقارنا للمادّة بأن تكون المادّة جزء له ـ كالجسم ـ فلا يظهر ممّا ذكر بوجه من الوجوه عدم جواز كونه مدركا لذاته.
لا يقال : انّه لمّا كان أحد جزئيه هو الهيولى والآخر الصورة شيء منهما لا يصلح لان يكون عاقلا لذاته فالمجموع أيضا لا يصلح لذلك ؛
لأنّا نقول : عدم ثبوت حكم لكلّ واحد (١) واحد من الاجزاء لا يستلزم عدم ثبوته للمجموع من حيث هو مجموع.
فان قيل : ادراك الجسم لذاته انّما يكون بادراك اجزائه ، والمفروض انّه لا يمكن ان يكون له ادراك جزئه الّذي هو الصورة ، لانّها حالّة في الهيولى ؛
قلنا : حلول الصورة في الهيولى لا يصير مانعا من صيرورتها معقولة لغيرها ، إذ يمكن تعقلها باعتبار حضورها بنفسها أو بصورتها عنده وحينئذ تجرّد تلك الصورة لأدّى إلى الصورة. كيف ولو لم يكن ذلك لزم أن لا يكون الصورة معقولة أصلا؟ ، وهو غير معقول.
أيضا لا استبعاد في امكان حصول العلم بشيء اجمالا بدون حصول العلم باجزائه.
ثمّ على ما ذكرناه اخيرا من أنّ كون المعقولية والمحسوسية عين الوجود للمدرك من حيث انّه مدرك فاذا اريد بالوجود للمدرك عدم الغيبة يظهر انّ ما ذكره بهمنيار ـ بعد ما نقلناه في الفصل الّذي عقده لبيان العقل والمعقول بقوله : « واذ علمت انّ معقولية الشيء ووجوده من حيث هو معقول واحد » ـ صحيح لا غبار عليه ، إلاّ أنّ ما ذكره بعد / ١١٨ MB / ذلك ـ بقوله : « فاذا كان وجوده لغيره كان معقولا له وإذا كان وجوده لذاته فهو معقول لذاته » ـ غير مسلّم ، لما تقدّم من انّه يجوز أن يكون الشيء موجودا لغيره ويكون عاقلا لذاته. ومن انّه يجوز ان لا يكون شيء غائبا عن ذاته ولا يكون منكشفا لذاته ـ لجواز اشتراط الانكشاف بشيء آخر ـ.
__________________
(١) الاصل : + من.