وجهة انّه حاكية من الأمر الكمالي المجهول بالكنه ، وهو بهذا الاعتبار يجوز أن يثبت له ـ تعالى كما اثبتها في محكم كتابه في مواضع عديدة لذاته المقدّسة عن كلّ قصور ـ.
وأنت تعلم ان حاصل ما ذكره هذا القائل مقصودا للمحقق من كلام الامام ـ عليهالسلام ـ هو : انّا نعلم انّ تلك الصفات الكمالية ثابتة له ـ تعالى ـ ، إلاّ ان ثبوتها ليس من جهتها الّتي فيها نقص وامكان ، بل من جهتها الّتي ليس فيه ذلك وهو الجهة الّتي ليست معقولة لنا وإن علمنا اجمالا انّ تلك الصفات من جهة غير معقولة لنا ثابتة له ـ تعالى ـ في الواقع.
وأنت تعلم انّ ذلك راجع إلى ما ذكرناه ، لا إلى التعطيل المنفي.
وقريب منه ما ذكره المحقّق الدواني حيث قال بعد نقل كلام الامام ـ عليهالسلام ـ : هذا الكلام دقيق رشيق أنيق صدر عن مصدر التحقيق ومورد التدقيق ، والسرّ في ذلك انّ التكليف لمعرفة الله إنّما هو بحسب الوسع والطاقة ، فانّهم كلّفوا بأن يعرفوه بالصفات الّتي الفوها فيهم مع سلب النقائص الناشئة عن انتسابها إليهم. ولمّا كان الانسان واجبا لغيره عالما قادرا مريدا حيّا متكلّما سميعا بصيرا كلّف بأن يعتقد أنّ تلك الصفات في حقّه ـ تعالى ـ مع سلب النقائص / ١٩٥ DB / الناشئة من انتسابها إلى الانسان بأن يعتقد انّه واجب لذاته لا لغيره عالم بجميع المعلومات قادر على جميع الممكنات مريد لجميع الكائنات ـ وهكذا في سائر الصفات ـ ، ولم يكلف باعتقاد صفة فيه ـ تعالى ـ لا يوجد مثاله ومناسبة بوجه ، ولو كلّف به ما امكن تعقّله بالحقيقة ، وهكذا اخذ معنى قوله ـ عليهالسلام ـ : « من عرف نفسه فقد عرف ربّه » (١) مع انّه ـ تعالى ـ قال : ( وَما قَدَرُوا اللهَ حَقَّ قَدْرِهِ ) (٢).
وإذا عرفت معنى عينية الصفات وعلمت جلية الحال فاعلم! : أنّ الحياة في الواجب لمّا كان عبارة عن صحّة العلم والقدرة فهي كسائر صفاته تكون عين ذاته ، بمعنى أنّ ذاته بذاته منشئا لها. وليست هي أمرا زائدا ممتازا موجودا في ذاته حتّى يلزم التركّب والتكثّر ، بل هي مفهوم اعتباري تغايرها من سائر الصفات ليس إلاّ
__________________
(١) راجع : بحار الانوار ، ج ٢ ص ٣٢.
(٢) كريمة ٩١ ، الانعام ؛ وغيرها من الآيات.