الطرفين والضدّين ـ. فلمّا جوّز تعلّق الإرادة بأحد الطرفين والضدّين دون الآخر فليجوّز ذلك في القدرة أيضا بلا تفاوت ؛
أو يحتاج إلى مخصّص آخر ، فننقل الكلام إليه ؛ فيلزم التسلسل.
فإن قيل : ذات الإرادة كافية للترجيح ؛
قلنا : قد علم بطلان ذلك فيما سبق. مع أنّه لو صحّ أن يقال ذلك لصح أن يقال :
ذات القدرة أيضا كافية للترجيح.
وإن قيل : لا نسلّم أنّ نسبة الإرادة إلى الطرفين أو الضدّين على السواء ، لجواز أن يكون أحدهما ممتنعا فلا يتعلق به الإرادة ؛
قلنا : هذا جار في القدرة بعينه من دون تفاوت.
وقد ظهر ممّا ذكر انّ مسلك الأشاعرة في اثبات الإرادة باطل ، فالمسلك الصحيح في اثباتها ـ بعد اجماع المليين والفلاسفة واطباق شرائع الأنبياء ـ كونها صفة كمال ، فيكون الفاعل بالارادة اشرف من الفاعل لا بالارادة. وكونه ـ سبحانه ـ خالقا لصاحب الإرادة فيجب أن يكون مريدا ، كما أنّ خالق العلماء يجب أن يكون عالما. قال المحقّق الطوسي في شرح الرسالة : « الإرادة في الحيوان هو شوق إلى حصول المراد أو داع يدعوا إلى تحصيله لما يتخيّل أو يتعقّل من ملائمته. ولمّا كان من دأب العقلاء أن يصفوا بارئهم بما هو أشرف طرفي النقيض وحسبوا أنّ كلّ ما يوجد بإرادة أشرف ممّا يصدر الفعل عنه من غير إرادة وصفوه بالارادة. وهي اخصّ من العلم ومرتبة فوقه ، لأنّ كلّ ما لا يعلم لا يمكن أن يراد وقد يعلم ما لا يراد » (١).
وإذا علمت ذلك فاعلم : أنّ الإرادة فينا شوق متأكّد يحصل عقيب داع هو تصوّر الشيء الملائم تصورا علميا أو ظنيا أو تخييليا موجبا لتحريك الاعضاء الآلية لأجل تحصيل ذلك الشيء.
وأمّا في الواجب ـ سبحانه ـ فالأشاعرة على أنّها صفة قديمة زائدة على الذات قائمة متغايرة للعلم والقدرة وسائر الصفات ؛
__________________
(١) راجع : رسالة شرح مسئلة العلم ، المسألة الثانية عشرة ص ٤١.