الموجودات والفرض أنّ حدوثها وعدم حدوثها بالنسبة إلى أحد الطرفين على السواء ولا رجحان على عدم حدوثها ، ومع ذلك إنّها وجدت وحدثت من دون مرجّح من الارادات المتسلسلة إلى غير النهاية. والفاعل من حيث هو فاعل من دون انضمام مرجّح آخر لا يصحّ لأن يكون مرجّحا لحدوث هذه الإرادة ؛ فاذا حدثت مع ذلك لترجّحت وجودها على عدمها من دون رجحان ـ وهو الترجّح بلا مرجّح ـ. فالمتحقّق في هذه الصورة ليس إلاّ الترجّح بلا مرجّح حتّى يتحقّق الاستلزام ، لأنّ رجحان وجود الإرادة على عدمها ناش من قبل نفسها لا من قبل الفاعل ، فيكون ترجّحا لا ترجيحا.
وقال بعض تابعي الأشعري : إنّ هذا الاستلزام مندفع بالتخصيص.
وهذا القول يحتمل وجهين :
أحدهما : إنّه وإن لزم الترجّح بلا مرجّح في تعلّق الإرادة بأحد طرفي المقدور ـ لاستواء نسبتهما إليه ـ ، لكن هذا القسم من الترجّح ـ أي : الّذي في صورة الإرادة ـ جائز ، فانّ الترجيح المحال انّما هو الترجيح الّذي لا يكون في ضمن الترجيح بلا مرجّح بالارادة ؛ وأمّا إذا كان في ضمنه ـ كما فيما نحن فيه ـ فهو جائز. والحاصل : إنّ قولنا : إنّ الترجيح بلا مرجّح انّما يتحقّق إذا لم يكن هناك فاعل مرجّح بإرادته ، وإذا كان فاعل مرجّح بإرادته فلا يلزم ترجّح بلا مرجّح أصلا.
وأنت خبير بانّ كلا الوجهين في غاية السقوط ؛
امّا الأوّل : فلأنّ الترجيح بلا مرجّح باطل مطلقا ـ سواء كان في ضمن الترجيح بلا مرجّح أو لا ـ ، والتخصيص فيه تخصيص في القواعد العقلية ؛
وامّا الثاني : فلما عرفت من أنّ الترجيح لا ينفكّ عن الترجّح ، فاذا فرض تساوي نسبة تعلّق إرادة الفاعل إلى الفعل أو الترك حتّى كان ترجيحه بلا مرجّح لكان الترجيح المترتّب عليه أيضا بلا مرجّح وإن كان الفاعل مختارا ، لأنّ تساوي اختياره في التعلّق بالطرفين من غير تعلّق الإرادة متسلسلة لا إلى نهاية يوجب لزوم الترجّح بلا مرجّح من غير آخرية لأحدهما.
وقد ظهر بما ذكر أنّه لا ريب في بطلان مذهب الأشاعرة وما يقربه من المذاهب