المذكورة ما عدا المذهبين الاخيرين ـ أعني : مذهب المحقّق الطوسي ورؤساء المعتزلة ومذهب الفلاسفة ـ ، فلنتكلّم في هذين المذهبين.
فنقول : أمّا مذهب المحقّق ـ أعني : القول بكون الإرادة عين الذات ، أعني : العلم بالمصلحة والنفع ـ فاستدلّوا عليه بأنّه لا يمكن أن يكون الإرادة أمرا آخر سوى الداعي ، إذ لو كانت أمرا آخر سواه لزم التسلسل ، وإلى هذا اشار المحقّق الطوسي في التجريد بقوله : « وليست زائدة على الداعي وإلاّ لزم التسلسل أو تعدّد القدماء » (١).
ثمّ قيل : ان المحقّق الطوسي ومن تبعه في كون الإرادة هو الداعي لمّا ذهبوا إلى أنّ الداعي هو عين الذات فحاصل الدليل : أنّ الإرادة ـ الّتي هي أمر لا يترجّح أحد متعلّقى القدرة على الآخر إلاّ به ـ ليست زائدة على الذات ، وإلاّ لزم التسلسل في الإرادة ـ كما التزمه بعض مشايخ المعتزلة ـ ، أو تعدّد القدماء ـ كما التزمه بعض المتكلّمين ـ ، وكلاهما محالان. وحينئذ يندفع ما أورد على هذا الدليل المذكور : بأنّ لزوم التسلسل أو تعدّد القدماء لازم على أيّ حال إذا كانت الإرادة زائدة على الذات ـ سواء كانت نفس الداعي أو أمرا آخر / ١٩٧ DA / زائدا عليه ـ. والحاصل : إنّ الإرادة لو كانت زائدة على الذات يلزم أحد الامرين من تعدّد القدماء أو التسلسل ـ سواء كانت الإرادة زائدة على الداعي أو لا ـ ، فلا يثبت بهذا المدّعى ـ وهو عينية الإرادة للداعى ـ ، إذ لنا أن نسلّم عينية الإرادة للذات وعدم عينيتها للداعى. وحينئذ لا يلزم شيء من المحذورين المذكورين ، إذ بعد عينيتها للذات لا مجال ليتصوّر لزوم التسلسل أو تعدّد القدماء وإن كانت غير الداعي.
ووجه الاندفاع : إنّ الداعي هو عين الذات عند من استدلّ بهذا الدليل ـ أعني :
المحقّق وامثاله ـ ، فمقصودهم من قولهم : إنّ الإرادة غير زائدة على الداعي أنّها غير زائدة على الذات أيضا ، بل هي عين الذات وإلاّ لزم أحد الامرين المذكورين من التسلسل أو تعدّد القدماء.
وردّ الدفع المذكور بأنّه على هذا لا يكون القدرة أيضا زائدة / ١٩٤ MB / على الداعي ، فانّ الصفات كلّها عين الذات عند المحقّق وامثاله ، فلا وجه لحكمهم بانّ الإرادة
__________________
(١) راجع : المسألة الرابعة من الفصل الثاني من المقصد الثالث ؛ كشف المراد ، ص ٢٢٣.