المعتزلة قالوا : لا بدّ لترجيح الفاعل المختار سوى ذاته من أمر مرجّح لوجود الفعل على عدمه في نظره ، فهذا المرجّح ليس من طرف الفاعل بل لا بدّ من حصول اختلاف خارجي قطعا حتّى يختلف نسبة الفاعل إلى الأشياء باختلافه وملاحظته والتعلّق به من طرف الفاعل ، فاذا لم يكن كذلك لم يمكن اقدام المختار على الفعل عندهم ؛ ويسمون العلم بهذا المرجّح وملاحظته داعيا. وقالوا : هذا العلم هو مخصّص لتعلّق الايجاد بشيء دون شيء وفي وقت دون وقت باعتبار معلومه المختلف بحسب اختلاف نفسه ، ويسمون هذا المخصّص الكذائى بالارادة أيضا.
واستدلّ المحقّق على أنّ هذا العلم هو المخصّص الكذائي دون شيء آخر بانّا لو قطعنا النظر عن هذا العلم بالمعلومات المختلفة الّذي هو في الواجب ـ تعالى ـ عين الذات وكان المخصّص غيره وقد ذكرنا أنّه لا بدّ في المخصّص من اختلاف النسبة حتّى يصلح للتخصيص والذات الأحدي / ١٩٨ DA / من غير اعتبار علمه المختلف نسبته باعتبار اختلاف المعلومات لا يختلف نسبته بشيء من الاشياء قطعا ، فيلزم كونه أمرا خارجا مغايرا للذات ؛ فان كان قديما يلزم تعدّد القدماء ؛ وإن كان حادثا يلزم التسلسل. وعلى هذا لا يرد عليه ما أورد عليه من : أنّه لا دخل لكون الإرادة عين الذات أو غيره في التزام الفسادين ، بل انّما يلزمان من زيادة الإرادة ، فان كانت زائدة يلزم الفسادان وإلاّ فلا ؛ فمن لم يقل بزيادتها فلا فساد عليه سواء قال بانّها عين الداعي أو لا. ووجه عدم الورود انّك قد عرفت أنّ كونها غير الداعي حتّى بالاعتبار يستلزم كونها غير الذات مطلقا ، فيلزم الفسادان. وعلى ما ذكر فما ذكره المحقّق في التجريد بقوله : « وتخصيص بعض الممكنات بالايجاد في وقت يدلّ على إرادته » (١) لا يثبت منه سوى وجود مخصّص يقتضي تخصيص الايجاد بشيء دون شيء ووقت دون وقت ، وسمّاه بالارادة. واستدلّ على أنّها نفس العلم بالنفع ، ولم يثبت عنده شيء سوى المخصّص المذكور كميل وعزم حتّى يقال : إنّه غير الداعي أو عينه. والحاصل : إنّ ما ثبت عند المحقّق الطوسي أنّه لا بدّ من وجود أمر للتخصيص وسمّاه بالارادة ، واثبت أنّه هو الداعي بالدليل المذكور ، ولم يثبت
__________________
(١) راجع : المسألة الرابعة من الفصل الثاني من المقصد الثالث ؛ كشف المراد ، ص ٢٢٣.