عنده أزيد من ذلك حتّى ينظر أنّه أيّ شيء هو ، ومن اثبت شيئا آخر زائدا على المخصّص المذكور ـ كميل وعزم وامثالهما وسمّاه بالارادة وقال : انّها زائدة على الداعي ـ فلا يضرّ المحقّق وامثاله ، لأنّ مدّعاه انّ المخصّص هو الداعي ـ لأنّ كلّ ما اثبته أحد هو الداعي ـ ، وقد ثبت بالدليل المذكور أنّ مناط التخصيص ومنشأه لا يمكن أن يكون سوى العلم المذكور ولم يقصد بالمخصّص سوى ما هو مناطه. ولو قال أحد : إنّه يحصل من هذا المناط شيء آخر سمّاه بالارادة ، فلا مضايقة معه ؛ إلاّ أنّه لم يثبت ذلك عند المحقّق ، بل ما ثبت عنده هو أنّه لا بدّ من وجود مخصّص والمخصّص ليس إلاّ العلم بالنفع ، ومعلوم أنّ / ١٩٥ MB / الإرادة أيضا مخصّصة ، فسمّى العلم بالنفع إرادة » ؛ انتهى.
اقول : غير خفيّ بانّ الإرادة مغايرة بالمفهوم للعلم بالأصلح ، فانّ ما يفهم من الإرادة هو ما يعبر عنه بالفارسية ب : « خواستن » ، وما يفهم من العلم هو الانكشاف ، وتغاير هذين المعنيين بالاعتبار ممّا لا ريب فيه ، فانّه يمكن أن يتحقّق العلم بصلاح شيء من دون أن تحقّق إرادته ، فالعلم بالأصلح مقدّم على إرادته ؛ ولهذا يصحّ أن يقال : علم صلاحية وجود الأمر الفلاني ثمّ اراده. فكما أنّ جميع الصفات ـ من العلم والقدرة والحياة والبقاء ـ إذا اخذت بمعانيها الاضافية الاعتبارية متغايرة بالمفهوم ومغايرة للذات أيضا وليست متغايرة بحسب الحقيقة والمصداق وجميعها عين الذات بمعنى أنّه ليس لكلّ منها مبدأ عرضي خارجي قائم بالذات بل منشأ الجميع ومصحّحه ومناطه هو الذات فقط من دون افتقار إلى شيء آخر ، فكذلك الإرادة والعلم بالأصلح متغايران بالمفهوم متحدان بحسب الحقيقة والمصداق بمعنى أنّ منشأهما مجرّد الذات بذاته ؛ فالحكم باتحادهما إن كان المراد منه الاتحاد بحسب المفهوم والاعتبار فهو باطل ـ لما عرفت من أنّ مفهوم الإرادة غير مفهوم العلم بالأصلح ـ.
وأمّا ما استدلّ به القائل المذكور لاتحادهما من : أنّه لو كان غير الداعي ـ الّذي هو العلم بالنفع ـ لكان غير الذات باعتبار أنّه علم بالنفع ـ ... إلى آخره ـ ؛
ففيه : إنّه لا ريب في أنّ الإرادة بمعنى الصفة الاضافية مغايرة للذات باعتبار أنّه علم بالنفع ومغايرة للذات مطلقا أيضا ـ كباقي الصفات ـ ؛ وأمّا الإرادة الحقيقية ـ أي :