الناظر العازم إلى الطرف الّذي مال إليه ، فالاختيار متوسّط بين المشية والإرادة ، لأنّ الفاعل يشاء أوّلا ثمّ يرجّح أحد الطرفين ثمّ يعزم عليه ؛ فالمشية إذا عزمت تصير إرادة. وإلى هذا يشير ما روي عن أبي الحسن الرضا ـ عليهالسلام انّه قال : يا يونس تعلم ما المشية؟ ؛
قال : لا ؛
قال : هي الذكر الأوّل ؛ فتعلم ما الإرادة؟ ، / ١٩٦ MA /
قال : لا ؛
قال : هي العزيمة على ما يشاء (١).
ثمّ إن منع إطلاق القصد على مشيته وإرادته ـ تعالى ـ فليعبّر عنهما بالرضا أو الابتهاج أو الحثّ أو ما يناسبها ممّا يعبر عنه بالفارسية ب : « خواستن ». على أنّ ما ذهب إليه الفلاسفة من امتناع تحقّق القصد أو الميل أو العزم أو ما يشابهها للواجب ـ سبحانه ـ دليلهم على ذلك إنّ الفاعل بالقصد يكون فعله لغرض البتة ، والفاعل بالغرض يكون مستكملا به أعمّ من أن يكون الغرض عائدا إلى ذاته أو إلى غيره ، لأنّ اتصال النفع إلى الغير إن كان لأجل قصد شوقي يوجب الاستكمال مع أنّه ـ سبحانه ـ منزّه عن الاستكمال ، بل هو الجواد الحقّ المطلق وهو الّذي تفيض منه الفوائد لا لشوق منه ولا بطلب قصدي لشيء يعود إليه ، إذ الجود هو افادة ما ينبغى لا لعوض ولا لاحسان ومدح وثناء ولا للتخلص عن المذمّة.
ولا ريب في أنّ هذا الايراد ـ أعني : لزوم تأتّي الغرض ـ يرد ظاهرا في صورة كون إرادته بنفس العلم بالأصلح ، وما يجاب به عنه هنا يمكن أن يجاب به في صورة كون إرادته القصد أو الميل أو امثالهما.
وسنشير إلى حقيقة الحال في ذلك.
ثمّ إنّ ما نسب إلى الحكماء من أنّ الإرادة عندهم نفس العلم بنظام الخير فالظاهر إنّه خلاف الواقع ، فانّ الظاهر من كلام الشيخ إنّ إرادته ـ سبحانه ـ عندهم ما يعبّر عنه
__________________
(١) راجع : بحار الأنوار ، ج ٥ ص ١١٧.