ولا برّ.
ثمّ إنّ الحكماء كما قالوا إنّ الواجب ـ تعالى ـ غاية بالمعنى المذكور قالوا إنّه ـ تعالى ـ غاية بمعنى أنّ جميع الأشياء في حركاتها وأفاعيلها طالبة للتشبه به ، ولكلّ منها عشق وشوق إليه اراديا كان أو طبيعيا ؛ ولذا حكم الإلهيون بسريان العشق والشعور في جميع الموجودات على تفاوت طبقاتهم ؛ وحكم الشيخ في التعليقات بأنّ القوى الأرضية كالنفوس الفلكية في أنّ الغاية في افاعيلها ما فوقها ـ إذ هي لا يحرّك المادّة ليحصل ما تحتها من المزاج وغيره وإن كانت هذه من التوابع اللازمة ـ ، بل الغاية لفعل كلّ منها تحصيل الكمال الّذي يتصوّر في حقّه واستكماله بما فوقه وتشبّهه به إلى أن تنتهي سلسلة الاستكمالات والتشبّهات إلى الغاية الأخيرة والكمال الاقصى ـ أعني : الواجب سبحانه ـ. ومن هنا يظهر سرّ كلامهم : لو لا عشق العالي لانطمس السافل.
فان قيل : كيف يكون ذات الواجب باعتبار علمه بنظام الخير غاية وغرضا له ـ تعالى ـ في الايجاد عند الحكماء مع أنّهم صرّحوا بأنّ العلّة الغائية ما يقتضي فاعلية الفاعل ، فيلزم أن يكون ذاته ـ تعالى ـ علّة لذاته! ؛
قلت : / ١٩٧ MA / أجابوا عنه : بأنّ المراد من الاقتضاء والاستلزام مطلق عدم الانفكاك سواء كان مع التغاير بين العلّة الغائية والفاعلية أم لا ، فاقتضاء العلّة الغائية هنا ـ أعني : ذاته تعالى ـ لفاعليته ـ سبحانه ـ بمعنى عدم انفكاك ذاته عن فاعليته وإن لم يتحقّق التغاير ولم يقم ضرورة ولا برهان على أنّ الفاعل المختار لشيء والغاية له يجب أن يكونا متغايرين في الحقيقة ، بل ربما يكونان متحدين في الحقيقة ، فانّ الفاعل هو ما يفيد الوجود والغاية هي ما يفاد لأجله الوجود ـ سواء كانت نفس الفاعل أو أعلى منه ـ. ولو كانت الغاية قائمة بذاتها وكانت بحيث يصدر عنها أمر لكانت فاعلا وغاية معا ، فذات الواجب علّة فاعلية من حيث إنّه يفيد وجودات الأشياء وعلّة غائية لها من حيث أنّ افادته وجودها لأجل ذاته من حيث علمه بنظام الخير.
فان قيل : الحكماء صرّحوا بانّ الغاية متقدّمة على الفعل بحسب المشيئة والتعقّل و