متأخّرة عنه بحسب الوجود ، فلو كان الواجب ـ تعالى ـ فاعلا وغاية لجميع الأشياء لزم أن يكون متقدّما عليها ومتأخّرا عنها ، فيلزم أن يكون شيء واحد أوّل الأوائل وآخر الأواخر! ؛
قلت : قد اجابوا عن ذلك بأنّ تأخّر الغاية عن الفعل في الوجود انّما هو إذا كانت من الأمور الواقعة بحسب الكون دون الأمور المتعالية عنه الواقعة فوقها ، فانّهم قسّموا المعلول إلى مبدع وكائن وقالوا : الغاية في القسم الأوّل مقارنة ماهية ووجودا مع وجود المعلول وفي القسم الثاني متأخّرة وجودا عنه وإن تقدّمت بالماهية عليه. وأنت تعلم بانّ الحكم بمقارنة وجود الواجب لوجود معلولاته ظاهر الفساد ؛ ولذا قيل في الجواب عن الايراد المذكور : إنّ الحقّ إنّ الواجب ـ تعالى ـ أوّل الأوائل من جهة ذاته ووجوده وعلّيته الفاعلية والغائية لجميع ما سواه وآخر الأواخر من جهة كونه غاية بالمعنى الآخر ـ أعني : غاية قصد الأشياء وتشوّقها إليه وطلب التشبّه به والاستكمال إرادة وطبعا ـ ، لأنّه الخير المطلق والكمال الحقيقي. فمصحّح الاعتبار الأوّل ذاته بذاته ومصحّح الاعتبار الثاني صدور الأشياء عنه على وجه يلزمها عشق يقتضي حفظ كمالاته الأوّلية وشوق إلى تحصيل ما يفقد عنها من الكمالات الثانوية ليشبّه بمبدئها الحقّ بقدر الامكان.
فان قيل : الحكماء مصرّحون بأنّ افعال الله غير معلّلة بالأغراض ؛
قلت : انّهم يقولون : إنّ افعاله ـ تعالى ـ منزّهة عن غاية هي غير نفس ذاته ـ من كرامة أو محمدة أو لذّة أو ايصال نفع إلى الغير ـ ، لا عن غاية هي نفس ذاته ـ سبحانه ـ ، لأنّ الباعث لهم في ذلك هو لزوم الاستكمال ومعلوم أنّ كون ذاته غاية لفعله لا يوجب الاستكمال.
ثمّ الظاهر من كلام الحكماء إنّ كل فاعل لفعل ليس له غرض حقّ فيما دونه وقصد صادق لأجل معلوله ، لانّه لو كان للفاعل غرض وقصد في فعله لزم أن يكون مستكملا بهذا المقصود فيكون هذا المقصود أشرف من الفاعل وقصده مع كونه علّة فاعلية له ، وهو باطل. وما يتراءى من قصد بعض الفواعل في أفاعيلهم إلى ما هو