دونهم ـ كقصد الطبيب في معالجة شخص حصول الصحّة له ـ فانّما هي فواعل / ٢٠٠ DA / بالعرض لا بالذات ، فانّ المبدأ بالذات لحصول الصحّة هو واهب الكمالات على الموادّ بعد استعدادها ، فالطبيب انّما هو يهيّئ المادّة والمفيد هو الواجب ـ سبحانه ـ.
ثمّ إن فرض أنّ الفاعل بالذات قصد في فعله ما هو احسن من ذاته ومن قصده فانّما هو على سبيل الغلط والجزاف.
فان قيل : لو لم يكن للواجب غرض في الممكنات وقصد إلى منافعها فكيف صدر منه وجود الممكنات على النحو المشاهد من غاية الاحكام والاتقان ونهاية ما يتصوّر من الحكم والمصالح ـ على ما يشهد به التأمّل في الآيات الآفاقية والأنفسية ـ؟! ؛
قلت : الحكماء يجيبون عن ذلك بأنّ الحكم والمصالح الّتي يشتمل عليها فعله ـ تعالى ـ وإن لم تكن مقصودة له ـ تعالى ـ لأجل المعلولات ولا لأجل ذاته حتّى تكون مقصودة له بالذات ويكون لفعله علّة غائية خارجة عن ذاته إلاّ أنّ ذاته ـ تعالى ـ لكونه منبع جميع الخيرات والكمالات وملزوما لكلّ ما يكون على افضل انحاء الوجود والاتقان لا يحصل الأشياء منه إلاّ على أتمّ ما ينبغي وأبلغ ما يتصوّر من الاتقان والاحكام ، فكلّ ما يصدر عنه يصدر على اقصى ما يتصوّر في حقّه من الحكم والمصالح والخيرية والكمال سواء كانت من المصالح الضرورية ـ كوجود العقل للانسان والنبيّ للأمّة ـ أو النسبية ـ كانبات الشعر على الحاجبين وتقعّر الأخمصين من القدمين ـ.
وجميع ما ذكر هنا / ١٩٧ MB / انّما هو مبنيّ على قواعد الحكمة لا على ما اعتقدناه. وامّا على المعنى الثالث ـ وهو كون القدرة عبارة عن صحّة الصدور واللاصدور بالامكان الذاتي أو الوقوعي وكون الإرادة نفس العلم بالأصلح أو ما يلزم منه من الرضا والابتهاج وأمثال ذلك ممّا يعبر عنه ب : « خواستن » ـ فالجواب عن الشبهة المذكورة : إنّ منشئية الذات بذاته لارادة طرف الوجود وترجيح وجود العالم على تركه انّما هو لكون طرف الوجود على نحو ما وجد أكمل وأشرف ووجوب صدور ما هو الأكمل الأشرف عنه ـ سبحانه ـ ، لاقتضاء الذات ذلك بحيث لا يتمكّن من الطرف الآخر ، بل لاقتضاء اكملية طرف الوجود ذلك وإن تمكّن الذات عن ايقاع كلّ من الطرفين.