والحاصل إنّ التصرف انّما هو في جانب المعلول بمعنى انّ المعلول هو الّذي يتعلّق به العلم بالأصلح ويصير مرادا وهذا انّما هو ايجاد الأشياء على نحو ما وجد ، فذاته ـ سبحانه ـ اقتضى مشية وإرادة هما عين ذاته ـ تعالى ـ بها يرجّح كلّ ما هو أكمل وأصلح بالنسبة إلى نظام الكلّ من طرفي الفعل ـ أعني : وجوده وعدمه ـ ، فاذا صار وجود زيد مثلا أصلح من عدمه اقتضى ذاته ـ تعالى ـ ترجيحه عليه لكونه خيرا وصلاحا لا لخصوصية كونه وجود زيد مثلا ، ولم يقتض عدمه لكونه شرّا ومقابلا لما هو أصلح لا لخصوصية كونه عدم زيد. وكذا إذا صار عدمه أصلح اقتضاه لذلك لا لشيء آخر ، فامتناع صدور عدمه الّذي هو مقابل الوجود حين ترجيح الوجود انّما هو بسبب عارض هو كونه خيرا لا لأمر ذاتي ، فلا ينافي الامكان الذاتي ولا الوقوعي أيضا لجواز صيرورة ما هو خير وصلاح في وقت شرا وفسادا في وقت آخر. ويظهر من هذا عدم كون شيء من المقدورات خيرا وصلاحا بالذات أو كونه شرا وفسادا بالذات ، بل كلّ ما هو خير فانّما هو خير بالنسبة إلى نظام الكلّ وكلّ ما هو شرّ فانّما هو شرّ كذلك ، وينحصر الخير بالذات في واجب الوجود بالذات والشرّ بالذات في ممتنع الوجود بالذات ؛ وانكشف أيضا انّ مشيته ـ تعالى ـ بالذات انّما هو لذاته فقط لا لشيء آخر. وإلى الجواب المذكور أشار المحقّق الطوسي في شرح رسالة العلم حيث قال بعد أن صرّح بأنّ صحّة الصدور واللاصدور هي المسمّى بالقدرة وهي لا تكفي في الصدور إلاّ بعد أن يترجّح أحد الجانبين على الآخر والترجيح انّما هو بالقصد الّذي يسمّى بالارادة أو بالداعي ، وعند القدرة والإرادة يجب الصدور وعند فقد أحدهما أو كليهما يمتنع الصدور.
فان قيل : إذا كان فاعلية الفاعل لفعل وعلمه بذلك نفس ذات الفاعل لم يمكن صدور مقابل ذلك الفعل عنه ، فلم يكن قادرا على ذلك الفعل إذا اعتبر في القدرة أن يكون تعلّقها بالطرفين سواء ؛
قلت : الملازمة ممنوعة ، فانّ صدور ذلك الفعل عنه بواسطة أنّه يستعدّ لصدوره عنه دون مقابله ـ لانّه أكمل من مقابله ـ لا بواسطة أنّ ذات الفاعل يستدعي خصوصية