الوجه الكلّي ، فيكون الواجب عالما بالمسموعات والمبصرات علما حصوليا كلّيا مستفادا من الاسباب والعلل الكلّية كعلمه بسائر الأشياء.
وذهب اكثر المتكلّمين إلى انّهما صفتان زائدتان على العلم مغايرتان له ، وليس هذا مبنيا على اعتقادهم التجسّم أو مباشرة الأجسام ، بل على اعتقادهم / ٢٠١ DB / أنّ الاحساس في حقّه ـ سبحانه ـ يحصل بلا آلة ـ لبراءته عن القصور ـ ، فانّهم قالوا :
الاحتياج لنا إلى الآلة بسبب عجزنا وقصورنا وذات الباري ـ تعالى ـ لبراءته عن القصور يحصل له بلا آلة ما لا يحصل لنا إلاّ بها. فتلك الأشياء الّتي ندركها نحن بالحواسّ الظاهرة والباطنة وبتلك القوى الجسمانية يدركها الواجب أيضا بهذا الوجه الّذي ندركها لكن لا بالآلات المذكورة ، لغنائه ـ جلّ شأنه ـ عنها ، وفقرنا إليها انّما هو لأجل نقصاننا.
ثمّ إنّ القائلين بكونهما نفس العلم الحضوري الجزئى احتجّوا بانّ كونهما زائدين على نفس العلم بالمسموعات على الوجه الجزئى لا يتصوّر إلاّ بأن يكون ادراك المسموعات والمبصرات بالاحساس ـ إذ غير الاحساس في ادراك المبصرات والمسموعات على الوجه الجزئى ليس إلاّ العلم بهما على الوجه الشهودي الاشراقي ـ ، وحقيقة الاحساس لا يحصل إلاّ بتأثّر الحاسّة وهو في حقّه ـ سبحانه ـ محال ، وإذا كان هذا محالا فلا يبقى لادراكهما على الوجه الجزئي معنى آخر سوى العلم بهما على الوجه الحضوري الاشراقى. والحاصل : إنّ السمع والبصر إمّا مجرّد الاحساس ، أو العلم بالمحسوسات ؛ وقد علم أنّ مناط الجزئية امّا الاحساس ـ وهو لا يحصل إلاّ بتحقّق الآلة وتأثّر الحاسة ولا يتصوّر ذلك في الواجب ـ ، وإمّا الشهود الاشراقي ، فهو لا ينافي التجرّد عن الموادّ والآلات. وقد علم أنّه ـ تعالى ـ / ١٩٩ MA / عالم بجميع الجزئيات على جزئيتها وماديتها ومن جملتها المسموعات من الحروف والأصوات والمبصرات من الأجسام والأضواء والالوان ، فثبت منه أنّ الواجب ـ سبحانه ـ يعلم الاصوات والالوان علما حضوريا اشراقيا وينكشف لديه انكشافا شهوديا نوريا بنفس ذاته المقدّسة الّتي به يظهر ويتنور جميع الأشياء ، فذاته ـ تعالى ـ بهذا الاعتبار سمعه وبصره بلا تأويل. وأمّا عدم وصفه بالشام والذائق مع علمه بالمشمومات والمذوقات علما حضوريا شهوديا على الوجه الجزئي ـ