الادراكات الحسّية ـ أعني : الابصار والسمع والذوق والشمّ واللمس ـ خصوصية لا توجد في شيء من افراد العلم حصوليا كان أو حضوريا. فانّ من علم بدنه بالعلم الحضوري من دون أن يراه بالباصرة ـ كمن يولد أعمى ـ ثمّ فرض رؤيته له فلا ريب في أنّه يحصل له من الرؤية خصوصية لم تكن حاصلة له من العلم الحضوري ، كيف وكلّ أحد يعلم أنّ الادراك بهذا الوجه الحاصل ـ أي : ما يعبر عنه بالفارسية بـ « ديدن » ـ مغاير لأيّ فرد فرض من افراد العلم الحضوري والحصولي! ؛ وكذا من علم بالعلم الحضوري بأنّ زيدا مثلا في وقت كذا يتكلّم بكلمات خاصّة من غير استماعه لها ثمّ سمعها فلا ريب أنّه يحصل من الاستماع خصوصية لم تكن حاصلة من العلم بها ، كيف لا وكلّ عاقل يعلم أنّ هذا الاحساس الخاصّ ـ المعبّر عنه بالفارسية بـ « شنيدن » ـ مغاير للعلم بالكلمات والأصوات! ؛ وقس عليهما الحال في سائر المحسوسات.
وإذا علمت ما ذكر فنقول : ما ذكر في جواب هذا الاستدلال من أنّ الفرق والتفاوت بين العلم والرؤية لا يمنع كونهما نوعين من العلم ـ فانّ في كلّ من افراد العلوم زيادة خصوصية لا توجد في غيره ـ لا يخفى ما فيه من الوهن والفساد! ، لأنّ بناء الاستدلال إنّ هذا المعنى البديهي المعبر عنه بـ « ديدن » مغاير لأيّ فرد فرض من افراد العلم ، فاذا كان الابصار في الواجب ـ سبحانه ـ بمعنى العلم ـ سواء كان حصوليا أو حضوريا ـ لا يثبت له ـ تعالى ـ هذا الأمر البديهى المغاير لكلّ فرد من العلم سواء كان كلّيا حصوليا أو اطّلاعا حضوريا مع أنّ الظواهر دالّة على ثبوت هذا الأمر البديهى له ـ تعالى ـ. فالجواب الابصار في الواجب ـ تعالى ـ إذا كان بمعنى الاطّلاع الحضوري يكون مغايرا لسائر افراد العلوم لا مدخلية له في ردّ الاستدلال أصلا ، لأنّ للمستدلّ أن يقول : مغايرة هذا الاطّلاع الحضوري القائم مقام الرؤية في الواجب لسائر افراد العلم غير قادح في دليلي ، لأنّ دليلي : انّ حقيقة الرؤية مغايرة لهذا الاطّلاع الحضوري أيضا لا من افراد العلم الحضوري ، والرؤية مغايرة لكلّ فرد من افراد العلم الحضوري والحصولي. على أنّ الكلام في علم الواجب ـ سبحانه ـ ، فاذا كان الابصار فيه بمعنى اطّلاعه الحضوري بالمبصرات لم يكن هذا مغايرا لسائر علومه ، فانّ علمه بجميع الأشياء انّما هو بالاطّلاع