يوجب فقدان مرتبة من الظهور عنه ـ سبحانه ـ مع أنّ اثباته له بدون الآلة لا يوجب نقصا ولا تكثّرا. فمن أرجعهما إلى الاطّلاع الحضوري وصرّح بأنّ جميع المبصرات والمسموعات حينئذ مدركة له ـ تعالى ـ بالوجه الّذي تدركه الحواسّ من دون الاحتياج إلى الآلات إن أراد بهذا الاطّلاع الحضوري والادراك بالوجه المدرك للحواسّ هو الرؤية والسماع بالمعنى الخاصّ البديهي الّذي يعبّر عنه ب : « ديدن » وب : « شنيدن » فنعم الوفاق! ؛ وهو بعينه مذهب المتكلّمين القائلين بمغايرة السمع والبصر للعلم بالمعنى المعروف وكونهما زائدين عليه ؛ وإن أراد منه العلم بالألوان والأصوات من دون تحقّق نفس الرؤية والاستماع له ـ تعالى ـ بأن يعلم أنّ الجسم الفلاني اخضر وعلم أنّ الخضرة ما ذا وإنّ زيدا حصل منه في وقت كذا صوت خاصّ وعلم أنّ الصوت ما ذا ـ كما يحصل لنا أيضا بعينه ـ من دون حصول نفس الرؤية والاستماع ؛
ففيه : إنّ سلب نفس الرؤية والاستماع من الواجب مع كونهما صفتي الكمال وعدم نقص فيهما لا باعث له بعد ثبوتهما من الشرع ودلالة الظواهر المتواترة عليهما. نعم! ، سائر الاحساسات ـ أعني : الشمّ والذوق واللمس ـ فهي راجعة إلى الاطّلاع الحضوري بمعنى أنّه ـ سبحانه ـ عالم بانّ كلّ واحد من الأشياء المشمومة يتضمّن رائحة كذا وكلّ واحد من المذوقات يتضمّن طعم كذا وكلّ واحد من الملموسات يتضمّن أيّ كيفية من الكيفيات الملموسة من الحضونة والنعومة وغيرهما ، وتعلم أنّ حقيقة كلّ رائحة وكلّ طعم وكلّ كيفية ملموسة ما ذا ، وكيف هو. وليس الشمّ والذوق واللمس بأنفسها ثابتة له ـ سبحانه ـ بان يحصل له نفس الشمّ المعبر عنه بـ « بوئيدن » ونفس الذوق المعبر عنه ب : « چشيدن » ونفس اللمس المعبر عنه ب : « ماليدن » ، لأنّ هذه من خواصّ الأجسام واثباتها نقص ، فسلبها عن الواجب لا يوجب نفي صفة كمالية عنه ، بل اثباتها يوجب اثبات النقص له ـ تعالى ـ.
وهذا هو السرّ في إطلاق البصير والسميع عليه ـ تعالى ـ في الشريعة دون الشامّ والذائق واللامس. وإلى ما ذكر اشار المحقّق الدوانى حيث قال : إنّه لا يظهر وجه لارجاع هذين الوصفين بخصوصهما ـ أعني : السمع والبصر ـ إلى العلم دون سائر الصفات من