القدرة والإرادة والحياة. مع أنّ ظواهر النصوص المشعرة بالمغايرة الذاتية والاحتياج إلى الآلة انّما هو في حقّنا ، فانّ الباري ـ تعالى ـ يدرك المبصرات والمسموعات على النحو الجزئي بذاته / ٢٠٤ DA / بناء على ما ذهب إليه جمهور المتكلّمين من أنّه ـ تعالى ـ يدرك الجزئيات بالوجه الجزئى ، فما الباعث حينئذ على تخصيص هذين الادراكين بالرجوع إلى العلم؟!. بل الظاهر انّهما صفتان زائدتان على العلم بخلاف ادراك سائر المحسوسات ، فانّه يرجع إلى العلم حيث لم يرد السمع باثبات صفة اخرى بإزائهما ـ كالذائق والشامّ واللامس ـ ، فيحكم برجوعه إلى العلم. وليت شعري ما الباعث للشيخ الأشعري على ذلك مع شيمته وطريقته المحافظة على ظواهر النصوص؟! ؛ انتهى.
وأورد عليه بعض المشاهير : بأنّه إذا كان ادراك المحسوسات الّتي هي غير المبصرات والمسموعات راجعا إلى العلم ـ كما قرّره هذا القائل ـ كان ذلك كافيا في كون ادراكهما راجعا إلى العلم أيضا ـ كما لا يخفى ـ ، فذلك هو وجه ارجاع الابصار والسماع إلى العلم المخصوص ، فانّ مجرّد إطلاق لفظي السميع والبصير في الشرع على الباري ـ تعالى ـ لا يكفي في الحكم بانّهما صفتان مغايرتان للعلم ، فبملاحظة أنّ الابصار و/ ٢٠١ MB / السماع فينا ليسا إلاّ ادراكين متعلّقين بالمبصرات والمسموعات بآلتين مخصوصتين يعلم أنّ استعمالهما في الباري ـ تعالى ـ بحسب الشرع ليس إلاّ بمعنى ادراك المبصرات والمسموعات على النحو الجزئي بذاته ، فيكونان راجعين إلى العلم ؛ انتهى.
وأورد عليه بانّ ارجاع غير السمع والبصر من الاحساسات إلى العلم ـ لكونها من خواصّ الأجسام واستلزامها للنقص ـ وعدم ورود الشرع باثباتها بخصوصها لا يوجب ارجاع السمع والبصر أيضا إليه مع ورود الشرع باثباتهما بخصوصهما وعدم استلزامهما لنقص مطلقا ، فالفرق بينهما وبين سائر الاحساسات قائم شرعا وعقلا ، فاثبات السمع والبصر بخصوصهما على النحو الخاصّ البديهى الّذي يعرفه كلّ أحد للواجب ـ سبحانه ـ بدون آلة كانّه ممّا يجب الاذعان به من حيث الشرع ، ولم تقم دلالة عقلية على امتناعه ، فارجاعهما إلى العلم مع عدم ضرورة عقلية خارج عن صوب الصواب.