وقال بعض المحقّقين : الظاهر إنّ السمع والبصر حقيقتان في الادراكين المخصوصين مطلقا أعمّ من أن يكون حقيقة لهما بآلة أو بدونها ، ولو فرضنا كون الحصول بآلة معتبرا في معناهما الحقيقي فلا شكّ أنّ المعنى المذكور ـ أعني : الادراك المخصوص بلا آلة ـ أقرب المجازات إلى المعنى الحقيقى وهو ممكن في حقّه ـ سبحانه ـ ، إذ كون الآلة شرطا في حصوله مطلقا ممنوع. والتحقيق أنّ ذلك الادراك ثابت له ـ تعالى ـ في جميع انواع المحسوسات وذلك غير العلم الحضوري بها ، إلاّ أنّ السمع ورد في خصوص السمع والبصر لكونهما ألطف الحواسّ وكون الادراك بهما بلا مباشرة جسم ، فلا حاجة إلى تأويل بخلاف سائر الحواس. وحينئذ فكون السمع والبصر عبارة عن العلم بالمسموعات والمبصرات مطلقا ـ كما هو مذهب الأشعري ـ ليس بصحيح. وما ذكره المحقّق الخفري ـ رحمهالله ـ من أنّ المراد بهما هو العلم الحضوري محلّ نظر.
فان قلت : ما الفرق بين العلم الحضوري والاحساس؟ ؛
قلت : الفرق بينهما مثل الفرق بين العلم الحصولي والحضوري ـ وهو التفاوت بالشدّة والضعف في الجلاء والخفاء ـ ، ألا ترى أنّ علم النفس بذاتها علم ضروري وكذا علمها بالصورة الحاصلة فيها ، ولو فرض أن يتعلّق الرؤية بواحدة منها لم يشكّ العقل في أنّ الانكشاف حينئذ يكون أتمّ ما دام العالم متلبّسا بهذه الخصوصية وحاصلا في هذه النشأة؟!. نعم! ، يمكن أن يتبدّل له نشأة وخصوصية اخرى يكون فيها ادراكها العقلي اجلى من الحسّي ، والغرض ثبوت التفاوت بين العلمين.
ثمّ اقول : فرق بين العلم بالمعقولات والمهيات وبين العلم بالجزئيات سيّما المحسوسات ، فانّ الاحساس بالمعقول لو فرض تحقّقه لم يكن أتمّ من العلم به ، لكن الاحساس في المحسوسات أتمّ من العلم بها. وأيضا أقول : العلم الحضوري انّما كان أتمّ من الحصولي لأنّ الأوّل يستلزم انكشاف وجود المعلومات وحقيقتها والثاني انكشاف ماهيتها فقط ، ولا شكّ أنّ الخصوصية في الوجود الحسّي أزيد من الخصوصية في الوجود العقلي ، فانّ الخصوصيات في العقليات إمّا عين ذواتها أو من لوازمها ؛ بخلاف ما في المحسوسات ، فالعلم الحضوري انّما هو علم بأصل الوجود دون العلم بالخصوصية ،