أنّ المحقّق قال بزيادتهما على العلم إنّه بعد ما بيّن في التجريد أنّ علمه ـ تعالى ـ بجميع الأشياء كلّية كانت أو جزئية ، مجرّدة كانت أو محسوسة قال : « والنقل دلّ على اتصافه بالإدراك » (١) ، ومعلوم أنّ الادراك في عبارته هذه ليس هو المطلق ، المرادف للعلم المطلق ولا العلم بالجزئيات مطلقا ، ولا العلم بالمحسوسات بايّ طريق كان ، لأنّ جميع ذلك ممّا سبق بالأدلّة السابقة ؛ بل المراد منه هو الادراك المتعلّق بالمحسوس بما هو محسوس ـ أي : الّذي إذا كان صادرا يسمّى احساسا ـ. وهذا النحو الخاصّ من الادراك له ـ تعالى ـ لم يثبت بما ذكر سابقا من أدلّة العلم ، بل ربما يدعى عدم امكان اثباته بالدليل العقلي والعلم الحضوري الثابت له ـ تعالى ـ بجميع الأشياء وإن كان شبيها بهذا النحو من الادراك المسمّى عندنا بالاحساس ، إلاّ أنّه ليس احساسا حقيقة ، ولهذا جزم المحقّق ـ رحمهالله ـ بانّ ثبوت هذا النحو من الادراك انّما هو بالسمع. فحصر دليل اثباته على السمع دليل واضح على أنّ المراد به ليس شيئا من معانى العلم المذكورة ، بل المراد به ما هو المسمّى عندنا بالاحساس. فحاصل كلامه : إنّ السمع دلّ على أنّ له ـ تعالى ـ احساسا ، فانّ النصوص متظافرة متواترة على كونه ـ تعالى ـ سميعا بصيرا والسمع حقيقة ليس إلاّ احساس المسموعات وكذا البصر ليس إلاّ احساس المبصرات ، إلاّ أنّ ذلك الاحساس فينا لا يمكن إلاّ بآلة جسمانية ودلّ العقل على استحالتها عليه ـ تعالى ـ ؛ فيجب بمقتضى اثبات الاحساس له ـ تعالى ـ وبمقتضى العقل نفي كونه بآلة.
وامّا كلامه المنقول عن شرح الرسالة ـ أعني قوله : « عبر بهما عن العلم » ـ ليس المراد به أنّ المراد بهما هو العلم المطلق ، بل مراده من العلم هو الادراك الاحساسى كما يدلّ عليه آخر كلامه المنقول ـ أعني قوله : « على النحو الّذي يدركه الحواسّ » ـ.
أقول : كلام المحقّق في التجريد وإن امكن حمله على ما ذكره هذا القائل ـ أعني : على أنّ المراد بالادراك في كلامه هو الاحساس ـ إلاّ أنّ كلامه في شرح الرسالة صريح في ارجاعهما إلى العلم ـ كما لا يخفى على المتأمّل فيه ـ.
ثمّ لا ريب في أنّه بعد ارجاع السمع والبصر إلى العلم الحضوري يمكن اثباتهما
__________________
(١) راجع : المسألة الخامسة من الفصل الثاني من المقصد الثالث ؛ كشف المراد ، ص ٢٢٤.