بالعقل ، لأنّ كلّ ما يدلّ حينئذ على كونه ـ تعالى ـ عالما بالاشياء يدلّ على كونه سميعا بصيرا ؛ ومن جعلهما زائدين على العلم قال : دليلهما منحصر بالسمع. وربما قيل بامكان اثباتهما حينئذ بالدليل العقلي أيضا ، وهو : إنّ ادراك المحسوسات من حيث أنّها محسوسات بالوجه الاحساسي يدخل فيه بعض خصوصياتها الّتي يخرج عنها لو لم يدرك بهذا الوجه وادراك العلم بالعلم الحضوري ، ولا ريب في أنّ الادراك على وجه يشمل جميع الخصوصيات أكمل من الوجه الّذي خرج منه بعضها. ولمّا حكم / ٢٠٥ DA / العقل بأنّ الواجب ـ سبحانه ـ علّة لجميع الأشياء بجميع خصوصياتها وإنّ العلم بالعلّة يوجب العلم بالمعلول فيحكم أنّه يجب أن لا يخرج شيء من الخصوصيات من علمه ـ سبحانه ـ ، فيجزم بانّ الواجب يرى المبصرات بالنحو الاحساسي البديهي بدون آلة ويسمع المسموعات بهذا الوجه أيضا.
وفيه : إنّ الادراك بالعلم الحضوري لا يخرج شيء من الخصوصيات أصلا ، بل الواجب ـ سبحانه ـ يعلم المبصرات والمسموعات بجميع خصوصياتها المعينة بالعلم الحضوري ، فلا حاجة إلى الاحساس على النحو الثابت لنا مع اشتماله على النقص ـ كما يظهر ذلك عند التحقيق والتدبّر ـ.
وقد استدلّ على السمع والبصر الزائدتين أيضا بأنّه ـ تعالى ـ حيّ ، وكلّ حيّ يصحّ كونه سميعا بصيرا ، وكلّما يصحّ له ـ تعالى ـ من الكمالات ثبت له بالفعل ؛ لأنّ الخلو من صفات الكمال في حقّ من يصحّ اتصافه بها نقص وهو على الله ـ تعالى ـ محال.
وأورد عليه : بأنّ هذا الدليل لا بدّ فيه من بيان أنّ الحياة في الغائب أيضا يقتضي صحّة السمع والبصر. وغاية متشبّثهم في ذلك طريق السبر والتقسيم ، فانّ الجماد لا يتصف بقبول السمع والبصر وإذا صار حيا يتّصف به إن لم تقم به آفة. ثمّ إذا سبرنا صفات الحيّ لم نجد ما يصحّ قبوله للسمع والبصر سوى كونه حيا ، ولزم القضاء بمثل ذلك / ٢٠٢ MB / في حقّ الباري ـ تعالى ـ. وأيضا لا سبيل إلى بيان استحالة النقص والآفة على الباري ـ تعالى ـ سوى الاجماع المستند حجّيته إلى الأدلّة السمعية ، ولا خفاء