في ثبوت الاجماع وقيام الأدلّة السمعية على كونه ـ تعالى ـ سميعا بصيرا ، فليعوّل على الاجماع في هذه المسألة بل على الأدلّة السمعية القطعية ابتداء ، لأنّ الظواهر الدالّة على السمع والبصر أقوى من الظواهر الدالّة على حجية الاجماع ، إذ يتّجه على هذه اعتراضات كثيرة احتاجوا إلى دفعها ؛ وإن اثبتنا حجية الاجماع بالعلم الضروري من الدّين ، فذلك العلم الضروري ثابت في المسألة الّتي نحن فيها سواء بسواء. وحاصل هذا الايراد أنّ الحياة في الواجب يجوز أن يغاير الحياة في الحيوان ، بل الحقّ تغايرهما ، لأنّ الحياة في الحيوان ما يصحّ لاجله الحسّ والحركة وفي الواجب ما يصحّ لاجله العلم والقدرة ، فكما أنّ حياة الحيوان تقتضي الحركة وحياة الواجب لا تقتضيها فكذلك يجوز أن تقتضي السمع والبصر وحياة الواجب لا تقتضيهما. نعم! ، من ارجع السمع والبصر إلى العلم ـ كما اخترناه ـ يمكن أن يستدلّ بمثل هذا الدليل بأن يقول : لمّا كان معنى الحيّ في الواجب هو الدرّاك الفعّال كان لا محالة سميعا بصيرا بمعنى أنّه ـ تعالى ـ مدرك لجميع المسموعات والمبصرات بالعلم الحضوري ، فانّ كمال الحياة ـ لا سيّما كونها مع كمال التجرد ـ تقتضي ادراك المسموعات والمبصرات بل ادراك المحسوسات ، ولا خفاء في تحقّق كمال الحياة مع كمال التجرد فيه ـ تعالى ـ. وبهذا ثبت أنّه ـ تعالى ـ سميع بصير مدرك بالمعنى المذكور. وعلى هذا فما قيل : « إنّ طريق اثبات السمع والبصر ليس إلاّ بالشرع والعقل لا يدلّ عليه » يكون المراد منه : إنّ استعمال الفاظ الادراك والسمع والبصر في صفاته ـ تعالى ـ يكون بالسمع ، وامّا اثبات معانيها المذكورة ـ أعني : كونه تعالى عالما بالمسموعات والمبصرات ، بل بجميع المحسوسات ـ يكون بالعقل أيضا.
وغير خفيّ أنّ الايراد المذكور على الاستدلال المذكور لاثبات السمع والبصر بمعناهما الخاصّ البديهى المغاير للعلم الحضوري متّجه ، إذ مجرّد الحياة لا يقتضي صحّة ذلك. على أنّ المحقّق الطوسي قال في نقد المحصل : « إنّ قولهم الحيّ يصحّ اتصافه بالسمع والبصر ليس بمطّرد ، لأنّ اكثر الهوامّ والسمك لا سمع له والعقرب والخلد لا بصر لهما والديدان لا سمع لها ولا بصر ، فلو لم يمتنع اتصاف تلك الانواع بالسمع والبصر لما خلا جميع