فقالوا : إنّ المنتظم حادث قائم بذاته ـ تعالى ـ وإنّ المنتظم هو قول الله ـ تعالى ـ لا كلامه ، فانّ كلامه قدرته التكلّم وهو قديم وقوله حادث لا محدث ، فانّ كلّ ماله ابتداء وإن كان مبائنا للذات فهو محدث بقول « كن » لا بالقدرة فقط ، وإن كان قائما بالذات فهو حادث بالقدرة فقط لا بقول « كن » ، إذ لو كان وقوع كلّ شيء بقول « كن » لزم أن تكون كلمة « كن » واقعة بمثلها ، فيلزم التسلسل. وعلى ما ذكر فالفرق بين الحادث والمحدث عندهم بالقيام بذاته ـ تعالى ـ وعدم القيام به ، فانّ القائم هو الحادث والمباين الغير القائم هو المحدث.
ولا يخفى انّه كما يأتي إنّ الكلام يطلق على التكلّم ، وعلى ما به التكلّم ـ أعني :
الكلمات والاصوات ـ. والتكلّم في الواجب انّما هو بمعنى قوّة الإلقاء وهو قديم ؛ فما ذهب إليه الكرامية ـ على قول صاحب المقاصد ـ من أنّ الكلام بمعنى القدرة على التكلّم انّما هو بمعنى التكلّم القديم لا بمعنى ما به التكلّم. فهم لم يطلقوا الكلام على ما به التكلّم ، بل اطلقوا عليه القول.
والمعتزلة قالوا كلامه ـ تعالى ـ أصوات وحروف وهي حادثة لكنّها ليست قائمة بذاته ـ تعالى ـ ، بل خلقها في غيره ـ تعالى ـ كجبرئيل أو النبيّ ـ صلىاللهعليهوآلهوسلم ـ. ومعنى كونه متكلّما حينئذ إنّه خلق الكلام في بعض الأجسام على قصد الإلقاء من عنده ـ تعالى ـ واعلام الغير ، فاندفع ما قيل من : أنّه لمجرد الخلق لا يلزم التكلّم كما لا يلزم من خلق كلام زيد عند تكلّمه ـ على ما هو مذهب الأشاعرة ـ تكلّمه. ووجه الاندفاع إنّ خلق الواجب ـ تعالى ـ كلام زيد عند صدوره عنه ليس بقصد اعلام الغير ـ أي : ليس هذا بقصد منه سبحانه ـ ، بل هو مجرّد الايجاد.
فان قيل : لا ريب في أنّ زيدا مثلا يقصد من كلامه اعلام الغير ، وعند الأشاعرة كما أنّ ايجاد كلامه من الواجب ـ تعالى ـ فكذا ايجاد قصده منه ـ سبحانه ـ ، فيصدر من الواجب خلق الكلام بالقصد المذكور ، / ٢٠٦ DA / فالايراد غير مندفع! ؛
قلنا : فرق بين ايجاد القصد والاتصاف به ، إذ الواجب ـ تعالى ـ عندهم أوجد هذا القصد القائم بالغير حين ايجاد الكلام فيه من دون اتصافه به ، والمعتبر في كون الشيء