ويمكن أن يقال : / ١١٤ DB / انّه لو سلّم كونه معقولا بالفعل لعلّه يكفي لذلك كونه معقولا للواجب ـ تعالى ـ أو للمبادي العالية ، ولا حاجة إلى أن يكون معقولا لذاته ؛ ويمكن أن يخصّص (١) المجرّد في كلامه بالواجب ، فيندفع ذلك.
ثمّ لا شكّ في أنّ المراد بالمجرّد في كلامه هو المجرّد القائم بذاته دون الصور العقلية المجرّدة ، إذ لو لم يخصص بالقائم بالذات ـ بل أبقى على عمومه ـ لانتقض قوله : « فان لم يكن عاقلا لذاته لكان معقولا بالقوّة » بالصور المعقولة ، فانّها غير عاقلة لذاتها مع كونها معقولة بالفعل لا بالقوّة. وقد تلخّص ممّا ذكر انّ ما جعله بهمنيار مقدّمة ودليلا لاثبات كون كلّ مجرّد عالما بذاته وعدم كون شيء من المادّيات عالما بذاته أمران :
الأوّل : انّ وجود المعقول في نفسه وفي الخارج أو من حيث هو معقول نفس وجوده لمدركه من حيث هو ذات خارجي أو من حيث هو مدرك. وقد عرفت انّ بعض هذه الاحتمالات الّتي وقع الترديد فيها خلاف الواقع ، وبعضها وإن صحّ إلاّ أنها لا يثبت المطلوب.
الثاني : انّ مدرك ذاته يجب أن يكون نفس وجوده في نفسه أو من حيث انّه مدرك ادراكه لذاته. وقد صرّح أيضا بهذين الأمرين المعلم الثاني في تعليقاته حيث قال : « كلّ ما يصدر عن واجب الوجود فانّما يصدر بواسطة عقليّته لها ، وهذه الصور المعقولة تكون نفس وجودها نفس عقليته لها لا تمايز بين الحالتين ولا ترتّب لأحدهما على الاخر ، فليس معقوليتها له غير نفس وجودها عنه. فاذن من حيث هي موجودة معقولة ومن حيث هي معقولة موجودة ، كما أنّ وجود الباري ليس إلاّ نفس معقوليته لذاته ، فالصور المعقولة يجب أن تكون نفس وجودها عنه نفس عقليته لها وإلاّ لكانت معقولات اخرى علّة لوجود تلك الصور وكان الكلام في تلك المعقولات كالكلام في تلك الصور ، ويتسلسل » (٢) ؛ انتهى.
ولا يخفى انّه لو اراد انّ معقولية الصور نفس وجودها من حيث أنّها معقولة لكان أحد احتمالات الّتي ذكرناه لكلام بهمنيار ، وذكرنا انّه صحيح إلاّ انّه لا يثبت به كون
__________________
(١) الاصل : تخصيص.
(٢) راجع : التعليقات ، ص ٤٤.