متكلّما أن يكون متصفا بهذا القصد.
والأشاعرة قالوا : إنّ كلامه ـ تعالى ـ ليس من جنس الأصوات والحروف ، بل هو معنى قائم بذاته يسمّى « الكلام النفسي » وهو مدلول الكلام اللفظي المركّب من الأصوات والحروف ، وهو قديم.
قال بعض الفضلاء : منشأ الخلاف في ذلك هو أنّ هاهنا قياسين متعارضين :
أحدهما : إنّ كلامه ـ تعالى ـ صفة له ـ تعالى ـ وكلّ ما هو صفة له ـ تعالى ـ فهو قديم ، فكلامه قديم ؛
وثانيهما : إنّ كلامه ـ تعالى ـ مؤلّف من اجزاء مترتّبة متعاقبة في الوجود ، وكلّ ما هو كذلك فهو حادث ، فكلامه حادث. فاضطرّوا إلى / ٢٠٣ MB / القدح في أحد القياسين ومنع بعض المقدمات ضرورة امتناع حقّية النقيضين. فالحنابلة صحّحوا القياس الأوّل ومنعوا كبرى القياس الثاني ؛ والكرامية قالوا بصحّة القياس الثاني وقدحوا في كبرى القياس الأوّل ؛ والمعتزلة صحّحوا القياس الثاني وقدحوا في كبرى القياس الأوّل ؛ والأشاعرة صحّحوا القياس الأوّل وقدحوا في صغرى القياس الثاني.
قيل : إنّ الأشاعرة لم يقدحوا في صغرى القياس الثاني إذا اخذوا الكلام الّذي هو موضوعها بمعنى الكلام اللفظي ، وانّما قدحوا فيها إذا اخذوه بمعنى الكلام النفسي ، فهم يصحّحون القياسين المذكورين بأن جعلوا الكلام المذكور في القياس الأوّل بمعنى الكلام النفسي والكلام المذكور في القياس الثاني بمعنى الكلام اللفظي. والحاصل : إنّه إن جعل الكلام المذكور في الدليلين بمعنى الكلام النفسي قدحوا في صغرى القياس الثاني ، وإن جعل بمعنى الكلام اللفظي قدحوا في صغرى القياس الأوّل ، وإن جعل معناه مختلفا في القياسين على النحو المذكور لم يقدحوا ؛ انتهى.
وغير خفيّ بأنّ جواز اخذ الأشاعرة الكلام في صغرى القياس الثاني بمعنى الكلام اللفظي حتّى يصحّحوا القياسين ولم يقدحوا في شيء منهما مبنيّ على أنّ الكلام عندهم على قسمين : نفسي قديم ؛ ولفظي حادث ، إذ لو كان الكلام عندهم منحصرا بالنفسي لما امكنهم أن يأخذوا الكلام في صغرى القياس الثاني بمعنى الكلام اللفظي ، فلا بدّ لهم