من القدح فيها البتة.
ثمّ إنّه لا بدّ هاهنا من تحقيق ما هو الحقّ في كلامه ـ سبحانه ـ ، ثمّ نشير إلى ما توجّه من الصحّة والفساد فيما ذكره الطوائف.
فنقول الكلام يطلق على ثلاثة معان :
أحدها : القدرة على احداث الأصوات والحروف في جسم من الأجسام وقوّة القائها إلى الغير ؛
وثانيها : نفس هذا الاحداث والإلقاء ، وهو المعنى المصدري. والغالب اختصاصهما باسم التكلّم دون الكلام سيّما المعنى الأوّل ؛
وثالثها : ما به التكلّم ـ أي : نفس الأصوات والحروف الّتي يحصل التكلّم بها ـ ، فانّ مثل تكلّمت كلاما بكلام دقيق وقع فيه « كلاما » مفعولا مطلقا لقولنا : تكلّمت ، فيكون بمعنى تكلّما. وقولنا : « بكلام دقيق » بمعنى ما به التكلّم ـ أي : الحروف والاصوات ـ ، فالمعنى : تكلّمت تكلّما بمنتظم دقيق.
ثمّ لا ريب في أنّ تكلّمه ـ سبحانه ـ بالمعنى الأوّل هو بعينه قدرته ـ سبحانه ـ على خلق الاصوات والحروف في بعض الاجسام ، فكونه متكلّما بهذا المعنى هو كونه قادرا على احداث الكلام في جسم من الأجسام كما أنّ إطلاق المتكلّم بهذا المعنى علينا باعتبار قوّتنا على احداث الكلام في بعض الأجسام الّتي لنا قدرة على تحريكها ـ كالهواء وغيره ـ.
ثمّ إنّ هذه القوّة هي ما يحصل به التكلّم بالمعنى الثاني ، وهي فينا ملكة قائمة بذواتنا نتمكّن بها من القاء ما في روعنا إلى الغير ، وفي الواجب ـ سبحانه ـ عين ذاته بمعنى أنّ ذاته بذاته هو منشأ احداث الأصوات والحروف ومناط ايجادها من دون افتقار إلى صفة زائدة وملكة قائمة ، فيخلقها في أيّ جسم يريد لافادة ما في قضائه السابق على من يشاء من عباده. وعلى هذا يكون التكلّم بهذا المعنى عين ذاته ـ سبحانه ـ بمعنى أنّ ذاته بذاته هو منشأ الإلقاء الفعلي كما أنّ التكلّم بهذا المعنى فينا عين الملكة القائمة المصحّحة للالقاء الفعلي ـ أي : احداث الحروف والاصوات في جسم