الكلام بالمعنى الثاني انّما هو من الصفات الاضافية. وعلى المعنى الثالث انّما يصحّ القياس الثاني لا القياس الأوّل ، لكذب الصغرى.
وعلى هذا فلا حاجة إلى القدح في أحد القياسين ، لامكان أن يحمل الكلام في القياس الأوّل على المعنى الأوّل وفي القياس الثاني على المعنى الأخرى. فالحقّ إنّ التدافع بين ذينك القياسين انّما نشأ من فهم عدم اشتراك اللفظ وجعل الكلام المذكور فيهما بمعنى واحد ، وتوهّم جريان الحكم بالمعنى الآخر فيه مع كون اللفظ مشتركا بين معان ومخالفة حكم كلّ منهما للآخر.
وإذ ظهر ما هو الحقّ في كلامه ـ تعالى ـ فلنشير إلى ما يرد على المذاهب المذكورة ؛ فنقول : أمّا مذهب الحنابلة ففساده أظهر من أن يخفى على أحد! ، فإنّ القول بأنّ كلامه ـ تعالى ـ منحصر بالحروف والاصوات وهي قائمة بذاته وقديمة والقول بأنّ الجلد والغلاف قديمان ممّا يشمئزّ عنه من له ادنى مسكة! ، ولعمري كفى شاهدا في حماقتهم ما نقل عنهم : إنّ الجسم الّذي كتب فيه القرآن صار قديما بعد ما كان حادثا!.
ولعدم صدور امثال هذه الهفوات عن انسان أوّل جماعة كلامهم ؛
فقيل : لعلّهم لم يعرفوا معنى القدم والحدوث وحسبوا أنّ نسبة الحدوث إلى كلامه ـ تعالى ـ ولو بمعنى ما به التكلّم إهانة ؛
وقيل : لعلّ امتناعهم من إطلاق الحادث على المصحف وتوابعه لأجل أن لا يتوهّم حدوث الكلام بمعنى التكلّم القائم بذاته ؛
وقيل : لمّا كلّفوا بالقول بأنّ كلامه ـ تعالى ـ مخلوق ولفظ المخلوق مشترك بين الحادث والمفترى لم يجوّزوا إطلاق هذا اللفظ عليه لئلاّ يذهب من لا وقوف له على أنّ مرادهم من المحدث إلى انّهم اعترفوا بكون هذا المؤلّف مفترى ، وقالوا : انّه غير مخلوق ـ أي : غير مفترى ـ حتّى الجلد والغلاف فنسبوا إليهم انّهم قالوا بقدمه. ثمّ انهم التزموا عدم إطلاق المحدث أيضا عليه لانّهم لو اطلقوا عليه لفظ المحدث والحادث الّذي هو أحد معنيى المخلوق لاستلزم جواز إطلاق المخلوق أيضا ، وهو توهم كون القرآن مفترى.
وأنت تعلم بأنّ هذا التأويل يجعل حماقتهم أكثر! ، مع أنّه لا معنى لكون الجلد و