هو نفس ذات واجب الوجود عند المحقّقين ، فانّه ـ تعالى ـ قادر بذاته على تأليف الكلمات. فثبت أنّ التكلّم الحقيقي غير مصرّح به في كلامهم لظهور دخوله تحت عموم القدرة ، حتّى لو كانوا قائلين به أيضا ـ وإن لم يتعرضوا له هاهنا كما هو الظاهر ـ فيكون مذهبهم في الكلام مطابقا للحقّ وموافقا لما اخترناه ، وإن كان عدم تصريحهم به لعدم اثباتهم ايّاه ؛ فحصل المخالفة بيننا وبينهم من هذه الجهة.
ويرد عليهم أنّه لا وجه لاخراج الكلام الحقيقي عن أقسام الكلام.
ثمّ إنا قد ذكرنا في المباحث السابقة أنّ المعتزلة قدحوا في صغرى القياس الأوّل ، وهذا إنّما يتأتّى إذا حمل الكلام المذكور فيه على المعنى الثالث ـ أعني : ما به التكلّم ـ ، إذ لو حمل على المعنى الثاني ـ أعني : التكلّم الفعلي الّذي هو من الصفات الغير الحقيقة ، أي : ايجاد الكلام بالفعل ـ ينصرف القدح إلى كبرى القياس الأوّل ، ويندفع القدح عنه بالكلّية إن أريد بالتكلّم ما هو من الصفات الحقيقية.
وأمّا مذهب الأشاعرة ـ أعني : القول بالكلام النفسي ـ فيرد عليه : إنّ الكلام النفسي لا يرجع إلى معنى محصّل سوى العلم بمدلولات الألفاظ ومعانيها وعباراتها أو تخيّل الألفاظ ، وتوهّم ما يوجد من الكلام ـ أعني : ما يسمّى بحديث النفس ـ. والأوّل عين صفة العلم ، والثاني لا يليق بساحة كبريائه ـ سبحانه ـ لتقدّسه عن خطرات الأوهام وتخيّل ما يتجدّد من الألفاظ والكلام وسائر ما يتخيّله العوامّ.
قال بعض المشاهير ما توضيحه : إنّ للكلام معنيين :
أحدهما : التكلّم ؛
وثانيهما : ما به التكلّم. فالاشاعرة إن ارادوا بقولهم : « كلامه ـ تعالى ـ ليس من جنس الاصوات والحروف » : إنّ تكلّمه ـ تعالى ـ ليس من جنس الاصوات والحروف ، فيرد عليه : إنّ التكلّم مطلقا ـ أي سواء كان من الله تعالى أو من غيره ـ ليس من جنس الاصوات والحروف ، فلا وجه لتخصيص كلامه ـ سبحانه ـ بهذا المعنى بأنّه ليس من هذا الجنس ؛
ويرد عليهم أيضا : انّه لا معنى حينئذ لقولهم : « أنّ الكلام النفسي مدلول الكلام