: انّ كلامه ـ تعالى ـ واحد عندنا وانقسامه إلى الأمر والنهى والخبر والنداء والاستفهام انّما هو بحسب التعلّق ، لأنّ هذا الحكم ـ أعني : الوحدة والانقسام بحسب التعلّق ـ انّما يصحّ في الكلام بمعنى التكلّم الّذي هو صفة حقيقية له ـ تعالى ـ لا في الكلام بمعنى ما به التكلّم ، إلاّ أن يراد به ـ أي : بالكلام الواحد المنقسم بحسب التعلّق ـ العلم الاجمالي الّذي هو عين ذات الحقّ ، أو العلم الانتزاعى الاجمالي الّذي هو منتزع عن ذاته ـ تعالى ـ. وحينئذ يرد عليهم : أنّه لا يصحّ الحكم بقيامه بذاته ـ تعالى ـ ، لأنّ العلم الاجمالي عين ذاته ـ تعالى ـ وانّه لا يكون مدلولا للكلام اللفظي إلاّ بالصرف عن الظاهر ـ كما سبق ـ.
على أنّه يلزم على هذا التوجيه خلاف ما تقرّر عند الأشاعرة من أنّ كلامه ـ تعالى ـ صفة له غير العلم والقدرة وغيرهما من الصفات ، فاذا رجع الكلام إلى العلم الاجمالي يلزم كون الكلام عين صفة العلم ، وهو خلاف مذهبهم. وبالجملة الحكم بأنّ الكلام ـ بمعنى ما به التكلّم ـ معنى واحد قائم بذاته ـ تعالى ـ وهو مدلول الكلام اللفظي المركّب من الحروف بدون رجوعه إلى العلم الاجمالي الّذي هو غير زائد على ذاته ـ تعالى ـ لا وجه لمعقوليته ، ومع ذلك الرجوع لا يصحّ الحكم بقيامه بذاته ـ تعالى ـ ، لأنّ العلم الاجمالي نفس ذاته ـ تعالى ـ. نعم! ، لو قالوا بالعلم الاجمالي الواحد الزائد على ذاته ـ تعالى ـ يصحّ الرجوع المذكور. وحينئذ لا نزاع للمعتزلة معهم إلاّ في زيادته ، ولا ريب في أنّ تلك الزيادة لا يصحّ في العلم بمعنى مناط الانكشاف ، لانّه عين ذاته ـ تعالى ـ ، بل انّما يصحّ في العلم الانتزاعي الزائد في التعقّل ـ أعني : العلم المصدري الّذي سيق منه علم ويعلم وعالم ـ ؛ انتهى.
وأنت خبير بانّ التأويلات المذكورة لكلام الأشاعرة من التعسّفات الباردة وهي لا تلائم ما صرّحوا به ، فانّهم ذكروا : أنّ الكلام لفظي وهو المؤلّف من الحروف ؛ ونفسي وهو المعنى القائم بالمتكلّم وقالوا هو مدلول الكلام اللفظي ـ كما قال شاعرهم :
إنّ الكلام لفي الفؤاد وانّما |
|
جعل اللسان على الفؤاد دليلا (١) |
وصرّحوا بانّ الكلام النفسي مغاير للعلم والإرادة والكراهة وسائر الصفات
__________________
(١) البيت لأخطل. راجع : شرح المقاصد ، ج ٤ ص ١٥٠.