المجرّد عاقلا لذاته وعدم كون المادّي عاقلا لذاته ؛
وإن أراد انّ معقولية تلك الصور نفس وجودها من حيث أنّها موجودة في الخارج فهو ممنوع ـ كما تقدّم في كلام بهمنيار ـ.
ثمّ لمّا كان كلام هذا المعلّم في الصورة المعقولة للواجب ـ تعالى ـ وصرح بأنّ تعقّل الواجب لتلك الصور نفس وجودها الحاصل عنه ـ تعالى ـ أو الوجود الحاصل عنه ـ تعالى ـ هو الوجود الخارجي يكون ظاهرا في الاحتمال الثاني ، ولا يمكن أن يحمل كلامه على انّ معقوليتها سبب لوجودها عنه ـ تعالى ـ ، لانّه صرّح بعدم ترتب أحدهما على الآخر. وقد صرّح هذا المعلّم في موضع آخر بهذا الاحتمال حيث قال : « اخراج الأيس من الليس ليس إلاّ العلم الفعلي والتعقّل بالذات » (١). وقوله : « وجود الباري ليس الاّ معقوليته لذاته » تصريح بالأمر الثاني ـ أعني : كون وجود المدرك لذاته ـ. نفس ادراكه لذاته وقال أيضا في تعليقاته : « المعقول من الشيء هو وجود مجرّد من ذلك الشيء ، فان كان وجود ذلك الشيء لك وذلك إذا كان مادّيا كان معقولا لك ، وان كان وجوده لذاته كان معقولا لذاته وذلك اذا كان مجرّدا ، فان كان وجوده في الأعيان بهذه الصفة ـ أي : مجرّدا ـ فهو معقول لذاته ، فمعقولية الشيء هى بعينها وجوده المجرّد عن المادّة وعلائقها ، فاذا وجد الشيء بهذا النحو من الوجود في الاعيان كان معقولا لذاته ، وان كان في الذهن ولم يكن مجرّدا في الاعيان كان معقولا لا لذاته » ؛ انتهى.
وفي هذا الكلام أيضا تصريح بانّ وجود المجرّد عين معقوليته لذاته. وبالجملة هذان الأمران ـ أي : كون وجود المعقول في نفسه عين وجوده لمدركه ، وكون وجود المدرك لذاته ـ عين ادراكه لذاته مصرّح بهما في كلام أساطين الحكمة ، ولكن ليس وجهه ظاهرا لنا وليس لنا حيلة إلى تعقّله ؛ ولعلّ الله يحدث بعد ذلك أمرا!.
على أنّك قد عرفت انّه لو ثبت هذان الأمران أيضا لا يثبت بهما المطلوب ـ أي : كون كلّ مجرّد عاقلا لذاته وعدم كون مادّي عالما بنفسه ـ ، فالنافع في المقام بيان انّ التجرّد علّة للتعقّل والمادّية مانعة عنها ، وغاية ما ذكروه ـ كما علمت ـ : انّ التعقّل عبارة عن
__________________
(١) ما وجدت العبارة في التعليقات ولا في فصوص الحكم أيضا.