التكلّم ، فالمتكلم من قام به الكلام بمعنى التكلّم لا بمعنى ما به التكلّم ، فانّ ما به التكلّم باعتبار الوجود العيني انّما قام بالهواء لا بالمتكلّم ، بل انّما قام بالمتكلّم ايجاد ما به التكلّم والقائه إلى المخاطب لا عدم الغير ، وهو ـ أعني : ايجاد الكلام بقصد الافادة والاعلام ـ هو التكلّم. فمراد من قال : « إنّ المتكلّم أوجد الكلام » : إنّ المتكلّم أوجد الكلام على قصد الافادة والاعلام ، فلا يرد أنّه على زعم الأشاعرة موجد كلام العباد ـ بل كلّ افعالهم ـ هو الله ، فيلزم أن يكون هو ـ سبحانه ـ متكلّما باعتبار خلق كلامهم ، ولا شك أنّه لا يطلق عليه ـ تعالى ـ المتكلّم بهذا الاعتبار ؛ وذلك لانّه ليس خلق / ٢٠٨ DB / كلام العباد منه ـ تعالى ـ لقصد الافادة والاعلام من جانبه ـ تعالى ـ مع أنّ هذا معتبر في إطلاق المتكلّم على خالق الكلام.
وما ذكروه من أنّ موجد الحركة في جسم آخر لا يسمّى متحرّكا ، ففيه : انّ المتحرّك ما قام به التحرّك ، لا ما قام به التحريك ، ولهذا لا يسمّى موجد الحركة في جسم آخر متحرّكا.
والحاصل : أنّ المتكلّم من قام به التكلّم الّذي هو مبدأ اشتقاق الصيغة ومعناه خلق الكلام ، فلا شكّ في أنّه صادق على موجد الكلام ؛ والمتحرّك ما قام به التحرّك ، ومعناه الحركة لا خلق الحركة ؛ فقياس المتكلّم على المتحرّك خطاء وإن كان كلاهما مشتركين في قيام مبدأ اشتقاق الصيغة بالفاعل ، إلاّ أنّ مبدأ اشتقاق المتكلّم ـ أي : التكلّم ـ معناه على زعم المعتزلة خلق الكلام في الهواء ومبدأ اشتقاق المتحرّك ـ أي : التحرّك ـ هو الاتصاف بالحركة ، وكلا المبدءين قائمان بالفاعل المتصف بذلك المشتقّ.
وما ذكروه من أنّا إذا سمعنا قائلا يقول : أنا قائم نسمّيه المتكلّم وإن قلنا أنّ موجده هو الله ـ سبحانه ـ ، ففيه : إنّ الايجاد المأخوذ في تعريف التكلّم ـ كما تقدّم ـ هو الإلقاء على قصد الاعلام سواء كان ايجادا حقيقيا أو لا ، ففي الصورة المذكورة الملقي هو المتكلّم ، فانّه يقصد الاعلام بإلقاء الكلام وإلاّ كان موجد الكلام هو الله ـ سبحانه ـ. نعم! ، لو اوجد الله الكلام في العباد بقصد الاعلام من جانبه ـ تعالى كما في الشجرة أو لسان الملك ـ لكان ذلك كلاما له ـ تعالى ـ وكان هو المتكلّم دون الشجرة والملك ، وهو مسلّم