عند الكلّ.
وبما ذكرناه ظهر ضعف قولهم : إنّ الكلام القائم بذات الباري لا يجوز أن يكون هو الحسّي ، فتعيّن أن يكون هو المعنى ؛ إذ قد عرفت أنّ الكلام القائم بذات الباري ـ تعالى ـ هو بمعنى التكلّم لا بمعنى ما به التكلّم ـ أعني : الألفاظ الدالّة على المعانى أو معانيها الدالّة على أمور أخر الّتي هي المقصودة بالذات بإلقاء الألفاظ الدالّة عليها بناء على ما ذهب إليه الغزالى من أنّ هذا هو الكلام بالحقيقة على ما يأتي الاشارة إليه ـ ، والتكلّم ليس إلاّ ايجاد ما به التكلّم وهذا الايجاد ليس شيئا من اللفظ / ٢٠٦ MA / والمعنى. على أنّ قيام المعنى الّذي هو الكلام النفسي عند الأشاعرة بذات الواجب غير جائز ، لأنّ هذا المعنى أيضا يكون حادثا فلا يجوز أن يقوم بذاته ـ تعالى ـ كما قالوا في الالفاظ بعينه. ولا يصحّ إطلاق القديم عليه ، لأنّ إطلاق الكلام النفسي القديم على معانى الالفاظ الحادثة غير معقول ؛ وهذا هو معنى قول المحقّق الطوسي : « والنفساني غير معقول ـ ، أي : الكلام النفسي القديم ـ وهو معاني الألفاظ ـ غير معقول.
فان قيل : مراد من قال بالكلام النفسي القديم : إنّ العلم الاجمالي بالكلام قديم ؛
قلنا : هذا تأويل فيه ارتكاب مجاز في مقابلة الخصم المحقّ ، فيشمّ منه رائحة النفسانية والتعصّب ؛ ولذا قال بعض الفضلاء : إنّ في قول المحقّق : « والنفساني غير معقول » حيث لم يقل : « وكلام النفسي » أو « النفسي » ايماء تطبيقا بأنّ اثبات هذا الكلام بارتكاب التمحّل لا يخلو عن النفسانية والتعصّب!.
ثمّ إنّ المعتزلة تمسّكوا لاثبات أنّ الكلام هو المنتظم من الحروف وأنّ النفسي القديم الّذي يدّعيه الأشاعرة ليس كلامه بوجوه لا بدّ لنا من ايرادها وذكر ما يتعلّق بها من الفوائد وما قيل للجواب عن بعضها وتحقيق ما هو الحقّ ، وبيان أنّها هل هي تنتهض حجة لما اخترناه ، أو لا؟ ، وعلى التقدير الثاني هل يكون شيء منها منافيا لشيء ممّا اخترناه ، أم لا؟.
فمنها : انّه قد علم بالضرورة من دين نبيّنا محمّد ـ صلىاللهعليهوآلهوسلم ـ إنّ هذا القرآن هو الكلام المؤلّف المنتظم من الحروف المسموعة المفتتح بالتحميد المختتم