القياسان المذكوران ؛ وذلك لا يجدي نفعا! ، لظهور أنّ الاشكال في القرآن بهذا المعنى ـ أي : بمعنى المؤلّف ـ يجري فيه القياسان ولا يندفع عنه الاشكال بأنّ للقرآن معنى آخر لا يجري فيه القياسان المذكوران ـ كما لا يخفى ـ ؛ انتهى.
وفيه : إنّ الجواب الّذي ذكره الأشاعرة ليس جوابا عن جريان القياسين المتعارضين في كلامه ـ سبحانه ـ ، بل هو جواب عن قول المعتزلة : إنّ معنى القرآن وكلام الله ـ تعالى ـ منحصر في الألفاظ والعبارات بالدليلين المذكورين ، فانّ / ٢١٠ DA / الدليلين المذكورين انّما يدلاّن على أنّ القرآن والكلام يطلقان على الألفاظ ، وامّا انّهما لا يطلقان إلاّ عليهما فلا يكون مقتضى الدليلين. فعدم نفع الجواب المذكور انّما يكون إذا كان محلّ النزاع بين الأشاعرة والمعتزلة في أنّ هذا المؤلّف المنتظم هل هو كلام الله أم لا؟ ؛ والحال إنّ ذلك ليس محلّ النزاع بين الفريقين ، لانّهما متّفقان في أنّ هذا المنتظم من الحروف كلام الله ـ سبحانه ـ ؛ والنزاع في أنّ كلام الله ـ سبحانه ـ هل هو منحصر في ذلك أو يكون له معنى آخر سوى هذا المؤلّف الحادث؟. فالمعتزلة يقولون بالحصر والأشاعرة يقولون بعدم الحصر والدليلان المذكوران من جانب المعتزلة لا يفيدان الحصر المذكور ، بل يفيدان كون هذا المؤلّف الحادث كلام الله ، والأشاعرة غير متنازعين في ذلك ؛ فجوابهم بأنّ هذين الدليلين لا يفيدان الحصر يدفع قول المعتزلة ويثبت به مدّعاهم.
ثمّ قول السيد المحقّق في الاعتراض : « ومن البيّن أنّ القياسين المتعارضين المذكورين جاريان فيه ـ أي : في المؤلّف المنتظم من الحروف ـ » ، إن أراد به أنّ القياسين المذكورين جاريان فيه لا على سبيل التعارض ، ففيه : إنّ الجاري فيه حينئذ ليس إلاّ القياس الثاني ، ولذا قد تقدّم انّهم ـ أي : المعتزلة ـ قدحوا في صغرى القياس الأوّل نظرا إلى كون كلامه ـ سبحانه ـ منحصرا عندهم بالمؤلّف الحادث ؛ وإن أراد انّهما جاريان فيه على سبيل التعارض فهو ممنوع ، إلاّ أنّهما جاريان على سبيل التعارض في المعنى الآخر الّذي اثبته الأشاعرة أيضا. وبالجملة تخصيص كلامه ـ سبحانه ـ بمعنى المؤلّف الحادث بجريان القياسين فيه لا وجه له أصلا.