وثانيها : إنّ مدلول الكلام اللفظي انّما هو مسمّيات الأسامي من العبارات وهي ليست صورا ذهنية ـ كما ذهب إليه الحكماء ـ ، لأنّ المتكلّمين ينكرون الوجود الذهني ، فهى من اعيان الموجودات كالسماء والارض ؛ ومن البيّن أنّ بعض الأعيان جواهر قائمة بذواتها وبعضها اعراض قائمة بالجواهر ، ولا يظهر لقيام اعيان الموجودات بذاته ـ تعالى ـ ولا لقيامها بغيره وجه وجيه ؛ انتهى.
وحاصله ابطال الكلام النفسي بأنّه عند الأشاعرة مدلول الكلام اللفظي وهو مسمّيات الأسامى والألفاظ ، والمسمّيات لما لم تكن موجودات ذهنية لانكار المتكلّمين الوجود الذهنى فهي من الموجودات الخارجية ، ولا معنى لقيام الموجود الخارجى بذاته ـ سبحانه ـ ، فقول الأشاعرة بقيام الكلام النفسي بذاته ـ تعالى ـ لمّا كان راجعا إلى قيام موجود خارجي بذاته ـ تعالى ـ فهو بيّن البطلان.
ويمكن أن يقال بعنوان العلاوة : لو جوّز كون المسمّيات الّتي هي الكلام النفسي من الموجودات الذهنية لكانت راجعة إلى العلم ، فلا يكون شيئا وراء العلم مع أنّ الأشاعرة قالوا بمغائرتها للعلم.
ثمّ لا يخفى إنّ هذا الوجه دليل على حدة لابطال الكلام النفسي ، ولا مدخلية له لتصحيح الدليلين المنقولين من المعتزلة لحصر كلامه ـ سبحانه ـ في اللفظي ، ولا ينتهض ايرادا على الجواب الّذي ذكره الأشاعرة منهما ، لأنّ حاصل جوابهم عنهما انّهما يدلاّن على إطلاق كلام الله ـ سبحانه ـ على هذا المؤلّف المخصوص ولا يفيدان حصر كلامه فيه ، فإقامة دليل على حدة على انحصار كلامه فيه وبطلان الكلام النفسي لا يجعل الدليلين المذكورين تامّين.
والجواب المذكور ساقط ، وهو ظاهر.
وبما ذكرناه يظهر / ٢٠٧ MB / أنّ ما ذكره بعض الأفاضل بأنّه يمكن تتميم الدليلين بحيث يفيدان الحصر ـ بأن يقال : لمّا ثبت بهما أنّ هذا المنتظم من الحروف كلام الله ولم يقم دليل عقلي ولا نقلي على وجود أمر آخر هو الكلام النفسي ولا على كونه كلام الله سبحانه ، فيلزم الحصر ـ ليس على ما ينبغي ، لأنّ ضميمة قولنا : « ولم يقم دليل عقلي ـ