قلنا قد ذكر القوم لهذا الاختصاص وجوها ، فلنذكرها ونشير إلى ما هو الحقّ.
منها : ما ذكره الغزالي ، وهو : إنّه كان يسمع كلامه الأزلي بلا صوت وحرف كما ترى في الآخرة ذاته ـ تعالى ـ بلا كيف وكمّ. وهذا على مذهب من يجوّز تعلّق الرؤية والسماع بكلّ موجود حتّى الذات والصفات ، لكن سماع غير الصوت والحروف لا يكون إلاّ بطريق خرق العادة.
أقول : مراده من كلامه الأزلي إن كان هو الكلام النفسي فقد عرفت عدم معقوليته فضلا عن أزليته ؛ وإن كان هو القدرة / ٢٠٨ MA / على ايجاد ما به التكلّم أو نفس ايجاده فلا معنى لسماعه. قال بعض المشاهير : لا حاجة إلى التقييد بقوله : « الأزلي » ، بل لا معنى له إلاّ باعتبار أنّ المسموع له ـ تعالى ـ نوع من الثبوت في الأزل على الوجه الاجمالي الّذي / ٢١١ DA / ذهب إليه بعض المتكلّمين ، أو باعتبار أنّ للواجب ـ سبحانه ـ علما ازليا هو عين ذاته ـ تعالى ـ. فيكون معنى قوله : « كلامه الازلي » : الكلام الأزلي الّذي كان العلم به ازليا ، فيكون « الأزلي » وصفا « للكلام » بحال متعلقه.والحاصل : أنّ المسموع ليس وراء الكلام بمعنى ما به التكلّم ، وهو ليس ازليا ؛ وإن كان المراد منه المعنى المقصود بإلقاء اللفظ ـ على ما يأتي من أنّه الكلام بالحقيقة عند الغزالي لأنّه بهذا المعنى أيضا لا يعقل ازليته إلاّ بأحد من التأويلين المذكورين الجاريين في الكلام اللفظي الّذي يلزمه الحرف والصوت ، بل في جميع الموجودات ـ. فلا حاجة إلى ذكر الأزلي في هذا الجواب ، لأنّه لا يفيد تخصيص الكلام المذكور بالمعنوي الّذي هو مراد الغزالي ، فلا يكون محتاجا إليه ؛ انتهى بادنى توضيح.
وأنت خبير بأنّ عدم الاحتياج إليه ظاهر على مذهب اهل الحقّ القائلين بانّه لا يعقل أزلية الكلام المعنوي إلاّ بأحد التأويلين ؛ وامّا على زعم الأشاعرة القائلين بأنّ الكلام المعنوي صفة ازلية للواجب سوى العلم والقدرة والإرادة وسائر الصفات بلا تأويل فقيد الأزلية مخصوص بالمعنوي وفائدته اخراج اللفظى ، وكأنّه منظور الغزالي ؛ فلا بحث إلاّ على أصلهم.
ثمّ القول بتحقيق نوع من الثبوت للحوادث في الأزل بيّن الفساد ، مع أنّ الغزالي