من الأشاعرة وهم لم يثبتوا الثبوت ، بل المعتزلة اثبتوه. وما ذكره من جعل الأزلي وصفا لمتعلّق الكلام ـ أعني : العلم به ـ فحاصله أنّ كلامه الّذي نفسه حادث والعلم به قديم سمعه بلا صوت وحرف ، وهذا وإن لم يكن فيه فساد إلاّ أنّه خلاف ظاهر قول الغزالي. وإذا لم يكن لأزلية الكلام المسموع معنى ينبغي التأمّل في أنّه إذا قطع النظر عن ازليته ـ بل قيل : بكونه حادثا ـ هل يجوز أن يكون مسموعا بلا حرف وصوت كما ذكره الغزالي أم لا؟.
فنقول : قال بعض المشاهير لبيان ذلك : إنّ الكلام الّذي هو مسموع بلا صوت ولا حرف باعتبار الوجود العيني ـ أي : ما ليس له صوت ولا حرف في الوجود العيني أعني : عالم الملك وإن كان له صوت وحرف في عالم المثال أو عالم العقل ـ له معنيان :
أحدهما : اللفظ الدالّ على المعنى المراد بإلقائه باعتبار الوجود المثالي البرزخى على نحو ما يسمع في المنام ، لا العقلي على نحو الالهام العقلي ؛
وثانيهما : المعنى الّذي هو مقصود بالذات بإلقاء اللفظ الدالّ عليه ، وهذا هو الكلام بالحقيقة عند الغزالي. نظير هذا ما قال من أنّ حقيقة الحمد هي اظهار الصفة الكمالية سواء كان باللفظ الدالّ عليها أم لا ؛ فانّ اللفظ الدالّ عليها بالحقيقة هو الحمد باعتبار الدلالة عليها ، وخصوص اللفظ لا دخل له في كونه حمدا. فعلى هذا انّما يكون الكلام اللفظى عنده كلاما باعتبار أنّه دالّ على ما هو المراد بالذات بإلقاء اللفظ بحيث لو امكن القاء هذا المعنى بدون القاء اللفظ يكون كلاما ، والقائه يكون تكلّما ؛ فليس خصوص اللفظ شرطا لا في الكلام ولا في التكلّم. فعلى الأوّل يكون المراد من سماع موسى ـ عليهالسلام ـ كلامه بلا صوت وحرف : أنّه ـ عليهالسلام ـ سمع الألفاظ المثالية البرزخية الّتي ليست لها صوت وحرف في العين وإن كان لها صوت وحرف في عالم المثال ؛ وعلى الثاني يكون المراد منه : انّه القى على روعه المعاني المقصودة من دون توسّط لفظ أصلا ؛ واطلق على هذا الالقاء التكلّم وعلى المعاني المتلقّاة الكلام لما ذكر مفصّلا. ومراد الغزالي هو الثاني.
وأنت خبير بانّه لا مانع شرعا وعقلا من تحقّق أحد المعنيين المذكورين ، لأنّ تحقّق