إنّ الكلام لفي الفؤاد وانّما |
|
جعل اللسان على الفؤاد دليلا(١) |
ومنهم من ذهب إلى عكس ذلك ـ كالمعتزلة ـ ، فالنزاع ليس إلاّ في أنّ اطلاق الكلام على معاني الألفاظ هل هو بطريق المجاز ـ كما هو رأي المعتزلة ـ ، أو بالحقيقة بأن يكون قسما من الكلام ـ كما هو مختار الغزالي ـ ، أو بأن يكون استعماله في اللفظ بالمجاز المشهور ـ كما هو رأي بعض ـ ؛ وقد عرفت ما هو الحق.
فان قيل : هل المتحقق لموسى ـ عليهالسلام ـ سماع الكلام بلا صوت وحرف بالمعنى الأوّل؟ ، أو بالمعنى الثاني؟ ، أو بكلا المعنيين؟ ، وهل بينهما تلازم من الطرفين من أحدهما أم لا؟ ؛
قلت : قد ذكر بعض المشاهير أنّه تحقّق لموسى ـ عليهالسلام ـ كلا السماعين ، فانّهما يتحقّقان معا ما دام الملقى إليه متعلّقا بعالمي الملك والمثال ؛ وأمّا إذا لم يتحقّق للملقى إليه تعلّق بأحدهما فانّما يتحقق له سماع الكلام بالمعنى الثاني ، وهذا هو مقام يتمنّاه العارفون ؛ انتهى.
اقول : إنّ المعنى الأوّل ـ كما عرفت ـ هو اللفظ الدالّ على المعنى المراد باعتبار الوجود المثالي أو العقلي ، والمعنى الثاني هو المعنى الملقى. وحينئذ نقول : إنّ المعنى الملقى الّذي هو الكلام بالمعنى الثاني إن كان مشروطا بتجرّده عن الألفاظ المثالية والعقلية فلا يمكن اجتماع السماعين بالنسبة إلى معنى واحد في وقت واحد بأن يكون هذا المعنى في وقت واحد مسموعا في ضمن الألفاظ المثالية ومجرّدا عنها معا ـ لاشتراط الأوّل بوجود الألفاظ المثالية والثاني بعدمها ـ ، وحينئذ فلا يثبت بين المعنيين تلازم أصلا. وعلى هذا فما حكم هذا القائل بتحقق السماعين معا لموسى ـ عليهالسلام ـ منظور فيه ، إلاّ أن يقال : ليس غرضه من تحققهما له تحقّقهما له بالنسبة إلى معنى واحد في وقت واحد بأن يكون معنى واحد في وقت واحد مسموعا له بالالفاظ المثالية وبدونها ، بل غرضه تحقّقهما له بالنسبة إلى معان متعددة بأن يكون بعض المعاني مسموعا له في ضمن الألفاظ المثالية أو العقلية وبعضها مسموعا له مجردا عنها وإن لم يكن مشروطا بتجرّده عنها ، بل
__________________
(١) البيت لأخطل. راجع : شرح المقاصد ، ج ٤ ص ١٥٠.