كان المراد منه هو المعنى الّذي هو مقصود بإلقاء اللفظ الدالّ عليه ـ سواء كان مجردا عن الألفاظ المثالية أو العقلية أو في ضمنها ـ ؛ وحينئذ يكون الكلام بالمعنى الثاني أعمّ من الكلام بالمعنى الأوّل. فكلّما تحقّق الأوّل تحقّق الثاني ، لأنّ المراد بالأوّل ليس مجرّد الألفاظ المثالية أو العقلية من دون اشتمالها على معنى ، بل هي الألفاظ المثالية المتضمّنة لمعنى البتة ، وعلى هذا يثبت التلازم بينهما من أحد الطرفين عكسا دون الطرف الآخر. فاذا تحقّق الخاصّ ـ أعني : الكلام بالمعنى الأوّل ـ يثبت في ضمنه الكلام بالمعنى الثاني ويمكن أن يتحقّق الكلام بالمعنى الثاني ، فلا يتحقّق الكلام بالمعنى الأوّل. وحينئذ فما ذكره القائل المذكور من تحقّق كلا السماعين لموسى ـ عليهالسلام ـ الظاهر أنّه لم يرد منه تحقّق السماع / ٢١٢ DA / بالمعنى الثاني في ضمن السماع بالمعنى الأوّل ، لأنّ هذا تحقّق أحد السماعين والاستماعين بالمعنى الأوّل المشتمل على المعنى الثاني الّذي هو كالجنس ، وعلى الألفاظ المثالية الّتي هي كالفصل. ولا يصحّ أن يعبّر عن تحقّق الخاصّ المشتمل على العام وعلى الفعل المميز بتحقّق الخاصّ والعامّ معا ، بل أراد منه تحقّق السماع بالمعنى الأوّل بالنسبة إلى المعنى وتحقّق السماع بالمعنى الثاني لا في ضمن الألفاظ المثالية ، بل مجرّدا عنها بالنسبة إلى معنى آخر.
ثمّ الظاهر اشتراط السماع بالمعنى الثاني بالتجرّد من الألفاظ المثالية ، لأنّ هذا السماع فوق السماع بالمعنى الأوّل ، ولذا حكم القائل المذكور بانّه انّما يتحقّق للمتخلّقين ـ أي : إنّ تحقّقه مقصور عليهم ولا يتحقّق لغيرهم ـ ، وحكم بانّه ممّا يتمنّاه العارفون. فالمراد من تحقّقهما معا لموسى ـ عليهالسلام ـ تحقّقهما له بالنسبة إلى معان متعدّدة في أوقات متعدّدة ، ويكون تحقّق السماع بالمعنى الأوّل له في وقت كان متعلّقا بعالم الملك أو المثال بعدد تحقّق السماع بالمعنى الثاني بعد انخلاعه منهما.
فان قيل : كيف يصحّ السماع بدون الحرف والصوت؟ ؛
قلنا : قد اجاب عنه بعض المشاهير : بأنّ / ٢٠٩ MA / المراد بالسماع ليس إلاّ الاطّلاع الحضوري الخاصّ لمن ألقي إليه الكلام بالمعنى المذكور ـ أي : ما ينبئ عن الواقع ، وهو الّذي يتعلّق بالتكلّم الّذي هو القائه ـ. وحاصله : انّ سماع الكلام بدون