الصوت والحرف يتصوّر بأنّ السماع لا يكون إلاّ الاطّلاع الحضوري الخاصّ ، ويجوز أن يحصل لمن ألقي إليه الكلام ـ بالمعنى المذكور ـ الاطّلاع الحضوري على الكلام الّذي هو قائم بالمتكلّم.
وأورد عليه : بأنّ هذا راجع إلى العلم الحضوري ، والعلم الّذي يحصل بالسماع انّما هو علم خاصّ يحصل بحصول صورة المسموع في السامعة ـ على ما بيّن في موضعه ـ ؛ إلاّ أن يقال : إنّه يجوز أن يحدث الواجب ـ جلّ شأنه ـ صورة المسموع في السامعة بدون أن يحصل الصوت أوّلا في الهواء ثمّ يتموّج إلى أن يصل إلى السامعة ـ على ما هو المتعارف في السماع ـ. والحقّ أن يقال : أنّ السماع بلا حرف وصوت حسّيّين إمّا أن يكون بالحروف والأصوات البرزخية ، فهو كما يكون في المنام ؛ أو بالحروف والاصوات العقلية ، فهو كما يكون في الالهامات العقلية ؛ فكما أنّ السماع بالأصوات والحروف الحسّية نوع خاصّ من السماع لا يمكن انكاره لاحساسه ، فكذا السماع بالحروف والأصوات البرزخية والعقلية نوع خاصّ من السماع لا يمكن انكاره لادراكه بالقوى البرزخية والقوّة العقلية ؛ وأمّا السماع بدون حرف وصوت أصلا فهو راجع إلى الاطّلاع الحضوري الخاصّ.
فان قيل : ما الدليل على أنّ موسى ـ عليهالسلام ـ سمع الكلام بلا صوت وحرف؟ ؛
قلنا : الدليل على ذلك ـ على ما ذكره بعض المشاهير ـ : إنّه لم يسمع كلّ ما سمع موسى ـ عليهالسلام ـ كلّ من له أذن حسّاسة على تقدير كونه قريبا منه.
فان قيل : عدم سماع الغير لا يدلّ على أنّ كلامه ـ تعالى ـ مع موسى ـ عليهالسلام ـ بدون الحرف والصوت ، لأنّه يجوز أن يتحقّق كلامه المسموع لموسى ـ عليهالسلام ـ بالآذان أيضا بايجاده له إيّاه في الهواء المجاور لصماخه ـ أي : يكون الكلام المذكور بالحروف والأصوات الموجدة منه تعالى في الهواء المجاور لصماخه عليهالسلام ـ ، لغرض استماعه دون غيره ؛
قلنا : على تقدير هذا التحقّق اختصّ السماع بجهة مخصوصة ، لأنّ ما قام بالهواء فله وضع حقيقي ، فلا يسمع إلاّ من جهة مخصوصة مع أنّه قد نقل أنّ موسى ـ عليهالسلام ـ سمع من جميع الجهات ، أي : سمع على نحو ستّة إلى جميع الجهات على السوية ، لا أنّه سمع