هو المعنى الأوّل ـ ، ففيه : أنّه لا وجه حينئذ لكون المعنى الثاني أعلى مرتبة من المعنى الأوّل ـ كما حكم به بعض المشاهير ـ ، لأنّه لا ريب في أنّ الوحى على مراتب ، فسماع الكلام للبشر ومجرّد القاء المعانى / ٢١٠ MB / في الروع ـ أعني : الالهام ـ يحصل لأكثر الناس ، فلا وجه لكونه خرقا للعادة.
وثانيها ـ أي : ثانى وجوه تخصيص / ٢١٣ DB / موسى عليهالسلام بكونه كليم الله ـ : انّه ـ عليهالسلام ـ سمع الكلام بصوت وحرف من جميع الجهات على خلاف العادة.
وأورد عليه : بانّه إذا كان سماع الصوت من جميع الجهات لم يكن الصوت متحقّقا في الأعيان ، لأنّ الصوت باعتبار الوجود العيني انّما يقوم بالهواء ، فله وضع حقيقي لا محالة ، فلا يسمع إلاّ من جهة مخصوصة. فعند التأمّل يرجع هذا الجواب إلى الجواب الأوّل ، لأنّ الصوت يكون معتبرا فيه باعتبار الوجود الظلّي المثالي ـ كما في الجواب الأوّل ـ. فحاصل الجواب الأوّل : إنّ المسموع كان بلا صوت وحرف موجودين في الأعيان ، ولذا يسمع من جميع الجهات ؛ وحاصل الجواب الثاني : إنّ المسموع انّما يسمع من جميع الجهات ، وهذا المسموع لا يصحّ أن يكون بالصوت الموجود في الأعيان ـ كما لا يخفى ـ. فهذا المسموع إن حكم عليه بانّه صوت فانّما يصحّ إن أريد بالصوت ما هو المسموع في المنام من الأصوات ، فانّه انّما هو صوت موجود بالوجود الظلّي المثالي ، فمحصّل الجوابين واحد لا تغاير إلاّ بالاعتبار والعبارة.
نعم! ، لو حمل الجواب الأوّل على أنّ المراد منه أنّ المسموع بلا صوت وحرف مطلقا ـ أي سواء اعتبر وجودهما العيني أو المثالي ـ كان مغايرا للجواب الثاني ؛ وحينئذ يكون حاصل الجواب الأوّل : أنّ المسموع انّما هو المعاني الملقاة بدون الألفاظ العينية وبدون وجودها المثالي ، وحاصل الجواب الثاني : أنّ المسموع هو الألفاظ باعتبار وجودها المثالي ؛ انتهى.
وفيه : انّه يجوز أن يتحقّق الصوت في الهواء المحيط بموسى ـ عليهالسلام ـ ، فيكون له باعتبار الوجود العيني وضع حقيقي بالنسبة إلى جميع الجهات ، فيسمع حينئذ من جميع الجهات على خلاف العادة. وحينئذ لا يرجع هذا الجواب إلى الجواب الأوّل ،