وعلى هذا ـ أعني : / ١٢٠ MB / كون الأمر الّذي يتوقّف عليه التعقّل بالفعل رابطة وعلاقة بين المدرك والمدرك ـ نقول : الرابطة المتصوّرة بينهما منحصرة بحضور المدرك عند المدرك ، إمّا بذاته أو بصورته ، والحضور بذاته إمّا أن يكون المعقول أمرا مبائنا عن العاقل ولكن يكون بينهما نوع علاقة ـ كأن يكون المعقول آلة أو قوّة للعاقل أو معلولا له صادرا ومترشّحا عنه ـ أو لا يكون أمرا مبائنا عنه ، بل يكون عينه او لوازم ذاته ، ولا ريب انّ اقوى هذه الاقسام ربطا وعلاقة القسم الآخر ـ أعني : كون المعقول عين العاقل حاضرا ذاته عند ذاته ـ. وجميع هذه الاقسام راجعة إلى الحضور ، فانّ المتعقّل بالذات في تعقّل الشيء بصورته انّما هو الصورة وتعقّلها إنّما هو لحضورها عند العاقل وارتسامها في ذاته ، ولذا قيل : انّ العلم منحصر بالحضوري. قال بعض الأعلام : وان سألت الحقّ فليس العلم حقيقة الاّ الحضوري ، والتقسيم بالحصولى والحضوري ليس إلاّ باعتبار أوّل النظر وبادي الرأي ، لأنّ المعلوم بالعلم الحصولي حقيقة ليس الاّ الصورة الحاصلة في العقل وذو الصورة معلوم بالعرض ـ على ما هو رأي الشيخين حيث قالا : انّ النفس لا تدرك إلاّ ما حصل فيها ، وهو الصورة ـ. ويدل على ذلك انّه لو ارتفع ذو الصورة عن الخارج لكان الادراك بحاله ، ألا ترى انّ النائم والمرتسم يدركان ما لا وجود له في الخارج على نحو ادراك ما في الخارج؟! فظهر انّ المعلوم حقيقة هو الصورة وذو الصورة معلوم بالعرض والصورة حاضرة عند النفس ، فتكون الصورة معلومة بالعلم الحضوري. وبناء على ما هو المذهب المنصور من انّ الاشياء تحصل بأنفسها في الذهن ليس العلم الاّ العلم بالكنه ، لا العلم بالوجه ؛ لانّ وجه الشيء إذا حصل في العقل فالمعلوم حقيقة هو حقيقة ذلك الوجه وذو الوجه معلوم بالعرض ، فالمعلوم حقيقة هو كنه الوجه ـ بناء على أنّ الأشياء تحصل بانفسها في الذهن ـ ، فاتّضح انّ العلم حقيقة ليس إلاّ الحضوري وانّ العلم لا يكون إلاّ بالكنه » ؛ انتهى.
وإذا ثبت أنّ جميع اقسام الرابطة راجعة إلى الحضور فنقول : لا ريب حينئذ في أنّ أقوى اقسام الحضور وعدم الغيبة حضور الذات للذات ، فتكون الرابطة الّتي هي شرط التعقّل بالفعل للمجرّد بالنسبة إلى تعقّل ذاته موجودة ، فيكون كلّ مجرّد عاقلا لذاته