الكلام اللفظي على هذا التأليف العجيب والنظم الغريب يدلّ على سبق العلم الكمالي وثبوته له ـ تعالى ـ ، فيكون هو أيضا مدلولا له بالدلالة العقلية لا الوضعية. وبالجملة لمّا لم يكن للقول بالمعنى القديم الزائد على ذاته معنى أصلا ـ للزوم تعدّد الواجب ـ وجب حمل المعنى القديم على العلم الإجمالي المتعلّق بمدلول الألفاظ وبالالفاظ ، فحينئذ يجب حمل المدلول الواقع في كلماتهم ـ من أنّ مدلول الألفاظ قديم ازلى غير قائم بلسان وغير حالّ في محلّ ـ على المدلول الالتزامي ، وهو التكلّم ، فانّ الكلام اللفظي يدلّ على وجوده ، فيكون منشئا لما هو مدلول اللفظ بالمطابقة ، فالدّلالة عليه بطريق الالتزام. وهو ازلى من غير ريب ، لأنّه عين ذاته المقدّسة ، وهو التكلّم الحقيقى أو العلم الإجمالي المتعلّق بالكلام اللفظي ـ كما مرّ ـ.
وأنت خبير بانّ كون التكلّم الحقيقى ـ أعني : القدرة على الكلام اللفظى ـ أو العلم به ازليا وان كان صحيحا في نفسه إلاّ أنّ حمل كلام الأشاعرة على أحدهما تعسّف بارد ؛ فانّهم مصرّحون بانّ الكلام النفسي الّذي هو مدلول الكلام اللفظى قديم ، فيرد عليهم : انّ مدلول الحادث حادث. وما ذكره من التأويلات ـ مع كونها تأويلات بعيدة ـ لا يناسب الاطلاقات اللغوية والعرفية ، وتأبى كلام الأشاعرة عنها.
الرابع : انّ كلامه يشتمل على أمر ونهي واخبار واستخبار ونداء وغير ذلك ، فلو كان ازليا لزم الأمر بلا مأمور والنهى بلا منهي والاخبار بلا سامع والنداء والاستخبار بلا مخاطب ، وكلّ ذلك سفه وعبث لا يجوز أن ينسب إلى الحكيم!.
وأجاب عنه عبد الله بن سعيد الأشعري : بانّ كلامه ـ تعالى ـ في الأزل ليس بأمر ولا نهي ولا خبر وغير ذلك ، وانّما تصير أحد الاقسام فيما لا يزال.
وفيه : إنّ وجود الجنس من غير أن يكون أحد الأنواع غير معقول ، وإنّ التغيير على القديم محال.
وما قيل : انّ المراد أنّه امر واحد يعرض له التنوّع بحسب التعلّقات الحادثة من غير أن يتغيّر هو في نفسه ؛ لا يخفى ضعفه.
وقال بعض المشاهير : إنّ جواب عبد الله بن سعيد صريح في أنّ المراد بالكلام