التكلّم باعتبار الوجود العلمي الاجمالي. فهذا العلم الّذي هو نفس ما يتكلّم به بوجه الاندراج باعتبار كونه متعلّق التكلّم الازلى كلام بمعنى ما به التكلّم حقيقة ، لأنّا لا نعني بالكلام الّذي بهذا المعنى إلاّ أن يكون متعلّق الكلام الأزلي.
وفي هذا التوجيه تمحّل! ، فانّ التكلّم الازلي الّذي هو عين الذات لا يتعلّق بالعلم الأزلي حتّى يصحّ كون متعلّق التكلّم الأزلي ازليا ، بل انّما يتعلّق بشيء هو معلوم بالعلم الأزلي ، وذلك هو ما به التكلّم ، وهو حادث / ٢١٤ MA / والعلم به ازلي. فيكون المعلوم كلاما لا نفس العلم ، والأزلي هو نفس العلم لا المعلوم ، فلا يتحقّق الكلام الأزلي. ونهاية تأويل الكلام الأشعري أن يقال : حقّق في الانسان التكلّم وما به التكلّم وهذه الألفاظ الموجودة في الأعيان وعلم بتلك الألفاظ ، وهو ـ أي : المعلوم بتلك الالفاظ ـ الكلام النفسي ، فالكلام النفسي عنده ما يتعلّق به التكلّم بمعلومه. ولأجل أنّ العلم بما يتكلّم به في الانسان كلام نفسي اطلق الأشعري الكلام الأزلي على العلم بالكلام اللفظي الّذي هو متعلّق التكلّم. وحاصل هذا التوجيه والتأويل تسليم أنّ تعلّق التكلّم انّما هو بالمعلوم. لكن اطلاق الكلام على العلم باعتبار تعلّق التكلّم بمعلومه ، فكما أنّه تحقّق في الانسان ثلاثة أمور منها الكلام / ٢١٧ DA / النفسي ـ وهو العلم بالكلام اللفظي ـ فكذا في حقّه ـ تعالى ـ أيضا ؛ فاطلاق الكلام النفسي على العلم بما يتكلّم به الّذي يتعلّق به التكلّم اطلاق حقيقي والعلم ازلي ، فالكلام باعتبار هذا الاطلاق ازلي. وهذا الاطلاق أيضا ممّا لا يرتضيه المعتزلة. وأيضا على تقدير صحّته انّما يصحّ في العلم الّذي هو عين المعلوم لا العلم الإجمالي المذكور ؛ وتوضيح ذلك : أنّ اطلاق الكلام على العلم ـ سواء طابق المقصود أم لم يطابق ـ ممّا لا يرتضيه المعتزلة ، لأنّ العلم هو المنشأ للانكشاف والكلام ليس كذلك. وعلى تقدير الارتضاء لا يطابق المقصود من اطلاق الكلام ـ بمعنى ما به التكلّم ـ على العلم إلاّ أن يراد بالعلم العلم التفصيلي الزائد على الذات الّذي يمكن أن يكون نفس الكلام بمعنى ما به التكلّم ، لا العلم الإجمالي المباين له.
والغرض من هذا التطويل أنّ كلامه بلا تأويل بأحد من المعنيين المذكورين في معنى الكلام الأزلى لا يصحّ أصلا ؛ انتهى ما ذكره بتوضيح.