حادث ، والأدلّة الدالّة على الحدوث يجب حملها على حدوثه دون حدوث الملفوظ ـ جمعا بين الأدلّة ـ. وهذا الّذي ذكرناه وإن كان مخالفا لما عليه متأخّروا اصحابنا إلاّ أنّه بعد التأمّل يعرف حقيقته. وقد قال بعض الفضلاء : هذا المحمل لكلام الشيخ ممّا اختاره الشهرستاني في كتابه المسمّى بنهاية الاقدام ؛ ولا شبهة في أنّه اقرب إلى الاحكام الظاهرة المنسوبة إلى قواعد الملّة ؛ انتهى كلام صاحب المواقف.
قال بعض المشاهير : الظاهر إنّ فهم الاصحاب إنّ مراد الشيخ هو مدلول اللفظ وحده ليس من مجرّد قوله : « انّ الكلام هو المعنى النفسي » ، بل الظاهر أنّ باعث فهمهم هو ذلك مع ضميمة أخرى لم ينقل هنا ، إذ لو كان باعث فهمهم مجرّد ما ذكره امكن أن يحمل كلامه بانّ مراده بالكلام النفسي هو المعنى النفسي ـ على ما هو الكلام بمعنى التكلّم ، أي : كون الذات بحيث يقتضي القاء الكلام إلى المخاطبين ـ ؛ وحينئذ يصحّ كلامه بلا تأويله إلى ما ذكره صاحب المواقف ؛ انتهى.
وأنت خبير بأنّ هذا الكلام بطوله لا طائل تحته! ، فانّك قد عرفت أنّ الكلام النفسي الّذي قال به الشيخ الأشعري لا يمكن حمله على التكلّم الحقيقي ، فانّ المتبادر من مجرّد الكلام النفسي هو مدلول اللفظ وفهم قدرة ايجاد الكلام اللفظي منه خلاف الظاهر ، ففهم الاصحاب منه ذلك في موضعه ، مع قطع النظر عن سائر أقاويله الصريحة في أنّ مراده منه ذلك دون التكلّم الحقيقي.
فالحقّ أنّ ما فهم اصحاب الشيخ الأشعري من كلامه والتأويل الّذي / ٢١٥ MB / ذكره صاحب المواقف لكلامه كلاهما باطلان! ؛
أمّا الأوّل فقد عرفت وجه فساده مفصّلا ، ونزيدك هنا ونقول : لا ريب في أنّ مدلول اللفظ لا يمكن أن يكون قديما لأنّه مثل اللفظ في الحدوث ؛ قال بعض المشاهير : كون المدلول قديما انّما يصحّ أن لو كان المراد بمدلول الألفاظ المدلول الالتزامي الّذي هو التكلّم القائم بالمتكلّم ـ كما مرّ ـ ؛ وامّا المدلول المطابقي فلا خفاء في أن لا فرق بينه وبين اللفظ في كونهما حادثين وفي التأويل إلى العلم ، فانّ اللفظ ـ مثل : « قال فرعون » ـ والمدلول المطابقي سيّان في الحدوث ، وفي العلم بهما قديم.