ويرد على ما ذكره من قولهم : « فامّا العبارات فانّما يسمّى كلاما مجازا » : أنّ المتبادر المشهور في استعمال الكلام انّما هو العبارات والألفاظ الدالّة عليه ، وهو علامة كونه حقيقة فيها. ولهذا قال المحقّق الطوسي في شرح رسالة العلم : « الأصل في الكلام هو المؤلّف من الحروف / ٢١٨ DB / المسموعة الدالّة بالوضع على ما قصد دلالته عليه ليحصل التفاهم بين أشخاص النوع ، ووجوده لا يتحصّل إلاّ بعد العلم بالمعاني وتقدير ترتيب اجزاء المؤلّف ، وبعينه الحروف المرتّب بعضها على بعض بحسب الوجود العلمي حتّى يمكن تأليف الكلام باعتبار الوجود العيني على وفق ترتيب الذهنى ، فبعض الناس ـ كالمنطقيين ـ يطلقون اسم الكلام على ذلك التقدير في الذهن ، وبعضهم يطلقون على ذلك العلم. والمتكلّمون يصفونه ـ تعالى ـ بالكلام لورود الشريعة بذلك ، إذ لولاه لما يتوهّم العوامّ الوحي ؛ فمنهم من قال : إنّه هو العلم ؛ ومنهم من قال : إنّه زائد على العلم قديم غير مؤلّف ولا مسموع ؛ ومنهم من قال : زائد محدث أو قديم مؤلّف ليس بمسموع ، لكن يطابق المسموع ، ومنهم من قال : إنّه مؤلّف مسموع. والّذين يقولون إنّه مع ذلك قديم لا يتفكّرون في معنى قولهم » (١) ؛ انتهى.
وقد اشار بقوله : « الأصل في الكلام هو المؤلّف » إلى أنّه أيّ معنى عن المعاني المغايرة لهذا المعنى إذا استعمل فيه الكلام والكلمات كان ذلك على سبيل المجاز ـ كمعاني الألفاظ ، والموجودات العينية ، والعلم بالالفاظ ، كما ورد في حقّ عيسى عليهالسلام : ( وَكَلِمَتُهُ أَلْقاها إِلى مَرْيَمَ ) (٢) عليهاالسلام ؛ وقال تعالى : ( ـ إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ ) (٣) ؛ وقال امير المؤمنين عليهالسلام : « أنا كلام الله الناطق » (٤) ؛ وكما قيل : ان بسائط الموجودات حروف ومركّباتها كلمات ـ. قال بعض المشاهير : فان قيل : يمكن اثبات اللفظية بالقياس ـ كما هو المشهور ـ ، فيمكن به اثبات أنّ الكلام موضوع لما يعمّ الألفاظ والمعاني ، فانّ كلامية الألفاظ الموضوعة انّما يكون لأجل كونه حكاية عن الواقع
__________________
(١) راجع : شرح رسالة مسئلة العلم ، المسألة السابعة عشرة ص ٤٣.
(٢) كريمة ١٧١ ، النساء.
(٣) كريمة ١٠ ، فاطر.
(٤) راجع : بحار الأنوار ، ج ٨٢ ص ١٩٩.