بالفعل ؛ وهو المطلوب.
وقد ظهر ممّا ذكرناه انّ حضور الشيء عند المجرّد القائم بذاته بمعنى عدم غيبته عنه وان لم يكن عين التعقّل ـ كما هو صريح كلام بهمنيار ـ ، إلاّ انّه مستلزم له ، نظرا إلى انّ كون الشيء مجرّدا قائما بذاته من شأنه العاقلية ـ وحضور شيء آخر عنده جزء أخير للعلّة التامّة لحصول التعقّل بالفعل ـ ، فيترتّب عليه التعقّل والانكشاف. فالفرق بين كلام بهمنيار وبين ما ذكرناه انّما هو بالعينية والاستلزام ، والباعث لذهابهم إلى الاستلزام دون العينية هو ما عرفت من ورود المنع على العينية وظهور المغايرة بين حضور الشيء ـ بمعنى عدم الغيبة عند المجرّد ـ وبين انكشافه له. وأمّا استلزامه له فلا منع فيه بعد قيام الدلالة عليه ـ كما عرفته مفصّلا ـ. وبما ذكرناه يظهر لك انّ حقيقة العلم والتعقّل هو الوجود الانكشافي لموجود قائم بذاته ؛ ولو شئت قلت : الحضور الانكشافي لموجود مستقلّ في الوجود ، فهو نوع خاصّ من الوجود الرابطي لموجود قائم بذاته ، وليس هو مطلق وجود شيء لموجود قائم بذاته أو مطلق حضور شيء له في نفسه لمطلق الوجود الرابطي لموجود قائم بذاته ـ كما هو الظاهر / ١١٦ DA / من كلام جماعة ـ.
فان قلت : حاصل ما ذكرت في دليل الاستلزام انّ المادي لمّا لم يمكن أن يتعقّل الصورة العقلية الكلّية بارتسامها في ذاته ـ لايجابه انقسامها ومادّيتها ـ فوجب أن يكون مدركها هو المجرّد القائم بذاته ، وبذلك يثبت أنّ المادّية مانعة عن التعقّل بادراك الصورة ، فلا يكون المادّي مدركا للشيء بتجريد الصورة وانتقاشها في ذاته ، فالمصحّح لادراك الصورة بالتجريد هو التجرّد وليس مجرّد التجرّد علّة مستقلّة لحصول ادراك الصورة العقلية المجرّدة بالفعل ، والاّ لكان كلّ مجرّد مدركا لجميع الصور الكلّية للأشياء ، وليس كذلك ؛ بل هو المصحّح له ومن شأنه ادراكها. وانّما يتوقّف الحصول بالفعل على شرط آخر ـ وهو أن تحصل تلك الصور في بعض آلات المجرّد وقواه ـ ثمّ هذا المجرّد يدركها امّا بالمشاهدة الحضورية ـ كما تشاهد تلك الآلات نظرا إلى الارتباط الّذي بينهما من غير / ١٢١ MA / أن يجرّد تلك الصورة ويقشرها ويأخذ حقائقها الكلّية وصفوها الخالص الّذي هو حاقّ كنهها ، وهو العلم الحضوري ـ ، أو يجرّدها عن الأغشية واللبوس ويأخذ