انّما يقول الأشعري انّهما يطلقان على معنى آخر هو الكلام النفسي ، فلا يلزم شيء من المفاسد المذكورة من لزوم عدم المعارضة والتحدّي وعدم كون المقروء والمحفوظ كلام الله حقيقة وعدم تكفير من أنكر كلامية ما بين دفّتي المصحف ، / ٢١٦ MB / فانّ من أنكر كلامية ما بين دفّتي المصحف انّما يكفّر لو اعتقد أنّه ليس كلام الله ـ تعالى ـ بمعنى أنّه من مخترعات البشر ، أمّا إذا اعتقد أنّه ليس كلام الله ـ تعالى ـ بمعنى أنّه ليس صفة قائمة بذاته ـ تعالى ـ بل هو دالّ على ما هو صفة حقيقة وهو من مبدعات الله ـ تعالى ـ ومخترعاته ـ بأن اوجده في لسان الملك أو في لسان النبي ـ صلىاللهعليهوآلهوسلم ـ أو اوجد نقوشا دالّة عليه في اللوح المحفوظ ـ فليس من الكفر في شيء ؛ بل هو مذهب اكثر الأشاعرة ، فلا ينبغي أن يتوهّم كونه كفرا.
وأورد بعض المشاهير على هذا الجواب : بانّ الكلام عند الخصم ـ أعني : المعتزلة ـ حقيقة في الأصوات والحروف ، والاشتراك اللفظى الّذي ادّعاه المجيب غير مسلّم عند الخصم. وأيضا كلّ واحد من معنيي الكلام ـ اللّذين التزمهما المجيب ـ حادث باعتبار الوجود الخارجي وإن كان قديما باعتبار اندراجه في علم الواجب ، فلا يمكن أن يكون المدلول الّذي هو الكلام أيضا عند الأشعري قديما صفة لذات الحقّ. ومراد صاحب المواقف من المفسدة الأخيرة إنّه علم من الدين ضرورة كون ما بين دفّتي المصحف كلام الله ـ تعالى ـ حقيقة لا بالمجاز ـ أي : أوجده الله تعالى حقيقة لا مجازا ـ ، وينبغي أن يكفّر من ينكره على الاطلاق وإن لم يحكم بكفره مع التأويل الّذي ذكره المجيب. وعلى ما فهم أصحاب الأشعري من أنّ اطلاق الكلام على العبارات والألفاظ مجازا يلزم عدم كفر من ينكره مطلقا ، لأنّه يفهم من ظاهر كلامهم حينئذ أنّ ما بين دفّتي المصحف ليس من مخلوقات الواجب وموجدا لله ـ تعالى ـ حقيقة ، بل ما هو من موجداته ومخلوقاته ـ تعالى ـ حقيقة هو المعانى ، فيلزم عدم كفر المنكر المطلق مع أنّ من انكره كافر مطلقا ـ أي : سواء كان اطلاق الكلام على ما بين الدفّتين حقيقة أو مجازا ـ.
والحاصل : انّ اعتراض صاحب المواقف على / ١١٩ DB / من فهم كلام الأشعري مجازية الكلام اللفظي بانّه مخالف لضروري الدين ، ويلزم عدم تكفير المنكر المطلق مع