وأيضا : لو صدر عنه الكذب لزم أن نكون نحن أكمل منه ـ تعالى ـ في بعض الأوقات ـ أعني : وقت صدقنا وكذبه سبحانه ـ.
ثمّ استحالة النقص على الواجب ـ سبحانه ـ يدلّ عليه العقل أيضا ، وليس طريق اثباته مجرّد الاجماع ، وبذلك يندفع ما قيل : إنّ اثبات حجّية الاجماع موقوف على صدق الرسول الموقوف على صدقه ـ تعالى ـ ، فاثبات صدقه ـ تعالى ـ بالاجماع دور ؛ / ٢٢٢ MB / هذا.
وقيل : وهذا الوجه من وجوه الأشاعرة ـ أعني : لزوم النقص على تقدير الكذب في كلامه ، تعالى ـ انّما يدلّ على صدق الكلام النفسي الّذي هو صفة قائمة بذاته ـ تعالى ـ ، إذ لو وقع الكذب فيه لزم نقصان صفته ـ تعالى ـ مع كمال صفتنا ، ولا يدلّ على صدقه ـ تعالى ـ في الكلام اللفظي الّذي يخلقه في جسم دالاّ على معنى مقصود منه ، لأنّه على تقدير وقوع الكذب في الكلام اللفظي الّذي يخلقه انّما يلزم النقص في فعله ـ تعالى ـ والنقص في فعله ليس لنقص في صفاته الكمالية الّذي يقول الأشعري باستحالته على الله ـ سبحانه ـ ، بل هو القبح العقلي بعينه ، إذ لا فرق بين النقص في الفعل وبين القبح العقلي فيه إلاّ بمجرد العبارة ؛ فرجع هذا الوجه للأشاعرة إلى الوجه الأوّل للمعتزلة. مع أنّ الأشاعرة لا يقولون بالقبح العقلي ، فلا يمكنهم التمسّك بلزوم النقص في افعاله ـ تعالى ـ في دفع الكذب عن كلامه اللفظي مع أنّ الأهمّ بيان صدقه ـ تعالى ـ في الكلام اللفظي ، إذ أمر التكليف للعباد انّما يفهم منه لا من النفسي.
وادّعى بعض الأعلام استلزام كذب الكلام اللفظي لكذب النفسي حيث قال : مرجع الصدق والكذب انّما هو المعنى دون اللفظ ، ولمّا كان الكلام النفسي عندهم عين مدلول الكلام اللفظي ومعناه كان كذب الكلام اللفظي راجعا إلى كذب الكلام النفسي ولزم النقص في صفته ـ تعالى ـ.
واعترض عليه : بأنّ القاء الكلام اللفظي إلى آخر وايجاده على ثلاثة أقسام :
أحدها : ايجاده بدون قصد القاء المعنى المقصود منه ؛
وثانيها : ايجاده مع الاعتقاد بمدلوله ؛