فان قيل : النقص في الصفة الاعتبارية ممّا لا فساد فيه ، ألا ترى أنّ ايجاد الأعمى والأصمّ والأشلّ وغيرهم من المخلوقات الناقصة ايجاد ناقص متحقّق؟!.
قلنا : التحقيق إنّ النقص لا يدخل في صفة من صفاته ـ سبحانه ـ أصلا ـ سواء كانت حقيقية أو اعتبارية ـ ، ولا في فعل من افعاله مطلقا ؛ قال المعلّم الثاني : « الأوّل ـ تعالى ـ تامّ القدرة والحكمة والعلم كامل في جميع أفعاله لا يدخل في أفعاله خلل البتة ولا يلحقه عجز ولا قصور. والافات والعاهات الطبيعية انّما هي تابعة لضرورات اختلاف المهيات والاستعدادات بحسب الكمال والنقصان ولعجز المادّة من / ٢٢٥ DA / قبول النظام التامّ » ؛ انتهى.
فليس في الايجاد نقص وقصور أصلا ، بل النقص والقصور انّما هو من جهة القابل ولا قصور من جانب الفاعل أصلا ، ولا بخل في جوده مطلقا.
وقال صاحب التحصيل ما حاصله : إنّ هذا القصور قد لا يكون لعلّة ، إذ من البيّن أنّه ليس للماهيات الممكنة في ذواتها ولا في كونها ممكنة سبب ولا في حاجتها إلى علّة لوجودها سبب ولا يكون المتضادّين متمانعين في الوجود ولا يكون كلّ كائن فاسد علّة ولا لقصور الممكن عن الوجود الواجبي ونقصانه عن رتبته علّة ولا لكون النار محرقة وكون المحترق في قبوله الاحراق علّة ، إذ كلّ ذلك من مقوّمات المهيات وطبائع الامور أو من لوازمها. ولهذا نظائر ، مثل كون إحدى غايات بعض الموجودات مضرّة ببعض الموجودات ومفسدة له ، كما أنّ غاية القوّة الغضبية مضرّة بالعقل وإن كانت خيرا بحسب القوّة الغضبية. فهذه نقصانات ليس لأجل علل معدّة مرتبة ، فانّ نقصان الأرض عن رتبة ، الواجب لذاته اكثر من نقصان الشمس عن رتبته وليس هذه لعلّة معدّة ، بل لاختلاف المهيات في ذواتها. فلو كان النقصان في جميع المهيات منشأ لها لكانت المهيات واحدة ، وكما أنّ ماهية الانواع متفاوتة في ذلك كذلك مهيات الاشخاص التي تحت الانواع.
ثمّ النقصان قد تكون من / ٢٢٣ MB / المعدّات الموجبة لنقصان الاستعدادات العارضة للموادّ ، لكن يجب انتهائها إلى حركة واحدة دورية أزلية أبدية يكون التغيّر والتبدل ذاتيا لها لئلاّ يلزم الدور أو التسلسل ، وهي ملزومة أن تكون للموادّ استعدادات